ظهرت أولى تداعيات الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي الايراني، على الصعيد المحلي، في تراجع قيمة سندات لبنان الاجنبية (اليوروبوند) الى أدنى مستويات لها منذ أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري في تشرين الثاني الماضي.
 

فيما أبرزت نتائج الانتخابات اللبنانية التي جرت يوم الأحد الماضي تنامي نفوذ إيران في المنطقة، عبر فوز حليفها، «الثنائي الشيعي» حركة أمل وحزب الله، بالغالبية النيابية، حسب توصيف وكالة «رويترز» العالمية، تُرجم تراجع الثقة الدولية بلبنان، عبر تخّلي مستثمرين اجانب عن محفظاتهم من السندات السيادية اللبنانية.

وعلى الأثر، تراجعت السندات اللبنانية المقوّمة بالدولار بما يصل إلى 2.745 سنت لتسجل أدنى مستوياتها في عدة أشهر أمس، بعد اعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاق النووي الإيراني وتعيد فرض العقوبات.

وتكبدت سندات بقيمة مليار دولار تستحق في العام 2022 أشدّ الخسائر، إذ هوت إلى 90.66 سنتا وهو أدنى مستوى لها منذ تشرين الثاني 2017، وفقا لبيانات تومسون رويترز.

يأتي ذلك في وقت، أعلن فيه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن المركزي سيبيع سندات دولية بملياري دولار على مدى عام في إطار مبادلة ديون تقول الحكومة إنها ستعزز احتياطيات البنك المركزي وتقلص تكاليف خدمة الدين.

وكشف سلامة لـ«رويترز» عن خطته لاجراء عملية مبادلة للديون SWAP، تُصدر الحكومة بموجبها سندات جديدة بالعملة الصعبة تتراوح قيمتها بين 5.5 مليار و6 مليارات دولار وتقايضها بأذون خزانة بالليرة اللبنانية بأسعار السوق يحوزها البنك المركزي.

وقال إن مبادلة الدين «سوف تقوّي الأصول الدولارية للبنك المركزي وتسمح له بإقراض الحكومة بالليرة اللبنانية بأسعار فائدة أقل، دون تهديد استقرار العملة».

وأكد سلامة انه لا يوجد جدول زمني حتى آلان لبيع سندات الملياري دولار الدولية والذي قد يحدث «على مراحل». واشار الى أن مبادلة الدين المزمعة لن تمضي إلى المدى الذي ذهبت إليه الهندسة المالية للعام 2016 وأن البنوك لن تتلقى عروضا بحوافز مماثلة.

وقد أظهرت بيانات المركزي ان الأصول الأجنبية وصلت الى 43 مليار دولار في نهاية نيسان، وان نسبة الدين اللبناني إلى الناتج المحلي الإجمالي من الاعلى في العالم، إذ تجاوزت 150 بالمئة، وهو مسار يعتبر صندوق النقد الدولي إنه غير قابل للاستمرار.

سويد

في هذا الاطار، رأى الخبير الاقتصادي د. مازن سويد أن توقيت تراجع قيمة السندات الدولارية المتداولة، مؤسف وغير مناسب للبنان، لأنه سيؤثر سلباً على سعر السندات التي يعتزم مصرف لبنان طرحها للبيع في الاسواق الدولية والتي تصل قيمتها الى ملياري دولار.

وقال لـ«الجمهورية» ان هذا الأمر قد يدفع مصرف لبنان ربما الى تأجيل عملية طرح السندات دولياً، الى ان تتّضح أكثر صورة التداعيات الإقليمية للقرار الاميركي.

ولم يعتبر سويد ان تراجع قيمة السندات الاجنبية اللبنانية هو مؤشر على تراجع الثقة في لبنان، مرجحاً ان تكون سندات اليوروبوند التابعة لدول المنطقة، كالسعودية وقطر ومصر، قد تراجعت أيضاً، لأن المستثمرين والصناديق الاجنبية عند سماعها كلمة «شرق أوسط» في أي حدث، تلجأ الى بيع كل ما له علاقة بتلك المنطقة.

كما استبعد ان يكون السبب وراء تراجع السندات الاجنبية اللبنانية، نتائج الانتخابات النيابية، مشيرا الى مرور ثلاثة أيام على الانتخابات، وبالتالي فان التداعيات كان يجب ان تظهر في اليومين الاولين.

لكن سويد شدد على انه «في حال تأخّر تشكيل حكومة جديدة واستمرّ التوتر الذي شهدناه في المناطق اللبنانية في الايام الماضية، فان ذلك ستكون له تداعيات سلبية أكبر على الاصول اللبنانية الاجنبية وبنسبة أكبر من تداعيات القرار الاميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي الايراني.

واشار الى أن النسبة الحالية لتراجع السندات اللبنانية المقوّمة بالدولار، تشير الى انه تراجع ناتج عن ردّ فعل على القرار الاميركي، شارحاّ ان هناك صناديق في نيويورك ولندن تستثمر في أسهم البلدان النامية، وتتابع التطورات السياسية والامنية لتلك البلدان، ويكون لديها شيفرات محدّدة تحتّم عليها بيع كميات من الاسهم في حال حصول أحداث معيّنة.

لكنّ سويد لم يبدِ تخوّفاً من هذا الموضوع، بل أبدى قلقه من التأخر في تشكيل حكومة جديدة ومباشرة معالجتها للتحديات الاقتصادية والاجتماعية، ومواكبة برنامج «سيدر»، الذي يعتبره طريق الخلاص الوحيد للاقتصاد اللبناني في ظلّ عدم قدرة الاقتصاد على النمو، والعجز المتفاقم في خزينة الدولة.