ليست الانتخابات اللبنانيّة لعبة أرقام، وأكثرية وأقليّة، إذ ان الأكثريّة لا تحكم، والأقليّة لا تعارض. كلاهما يتقاسمان الحكومة كما المجلس، ليعطّلا معاً المحاسبة. لم تتمكّن قوى 14 آذار التي حازت أكثرية في 2005 و2009 من الحكم وتبديل الواقع. ظلّت لغة السلاح هي الأقوى. وما أشبه الاثنين 7 أيار 2018 بـ 7 أيار 2008 عندما اجتاح مسلّحون الشوارع البيروتيّة ردّاً على قرار لمجلس الوزراء. بالأمس تكرّر المشهد نفسه، زعران على الدراجات النارية أرادوا إيصال رسالة لمن يعنيهم الأمر، رغم أن لا قرارات وزاريّة تعكّر صفو العلاقات بين الأفرقاء. واذا كانت معادلة القوة بالسلاح سائدة، فإن معادلة الطائفية تبقى الأقوى، وهي سلاح في وجه السلاح. فالفتنة إذا وقعت أشدّ إيلاماً لأنّها سلاح فتّاك يضرب كل المقوّمات. مقوّمات الاستمرار والصمود. لذا يلجأ إليها المتحاربون كل فترة وأمام كل استحقاق، ثم يستعجل المعنيّون “ضبضبتها” قبل الانفجار الكبير. وتمنع المعادلة الطائفية، “البغيضة” في نظر كثيرين، كل فريق من التحكّم بمجريات الأمور، ولو حاز أكثريّة نيابيّة ووزاريّة. لذا من المفيد إعادة النظر في ما اعتبرته قوى 8 آذار، وحلفاء النظام السوري، انتصاراً في الانتخابات النيابيّة، لأنّه ليس كذلك إطلاقاً. فالخسائر التي أصابت أطرافاً ليست عدديّة بقدر ما هي معنويّة. وقراءة في الوقائع قبل الأرقام تبيّن ذلك. أولاً: من الضروري قراءة ما يحصل داخل الثنائي الشيعي. فباستثناء الرئيس نبيه بري جاءت الأرقام لمصلحة مرشّحي حزب الله على حساب مرشّحي حركة أمل في معظم المناطق. ففي دائرة الجنوب الثانية حل مرشّحا الحركة في المرتبة 4 و5 بعد مرشّحي الحزب بفارق قارب العشرة آلاف صوت. وفي دائرة الجنوب الثالثة نال مرشّح الحزب حسن فضل الله نحو 40 ألف صوت في مقابل الأوّل لدى الحركة هاني قبيسي بـ 20 ألفاً، ما يعني أن ميزان القوى المتبدل لمصلحة الحزب بدأ يترسّخ، ولولا التوافق ما بين طرفي الثنائي لأصاب الحركة سوء في عديد كتلتها. ثانياً: إن الفوز الذي حقّقه التيّار الوطني الحر عدديّاً ليس كبيراً في ظل خطاب “دعم العهد” ووجود الرئيس ميشال عون في بعبدا. إذ إن الأرقام التي حصل ع نواب التيار ليست كبيرة، ولم يكن ممكناً الاعتماد عليها لولا “العهد”. ثم ان خروج “التيّار” من الانتخابات مثقلاً بأسوأ العلاقات مع معظم الأطراف لا يفيد الكتلة الداعمة للعهد، لأن تدهور العلاقة مع “أمل” و”القوّات” و”المردة” والكتائب والاشتراكي، وحلولها في منطقة رمادية مع حزب الله، يجعل إمكان قيام جبهة معارضة للعهد ممكناً، بل خياراً متقدّماً، وهذا يضر كثيراً مَن تحدث عن انطلاقة بعد الانتخابات. ثالثاً: إن خسارة “المستقبل” ليست عدديّة بقدر ما هي معنويّة، إذ لم يكن “التيار الازرق” يتوقّع كتلة تزيد على 22 نائباً في ظل القانون النسبي. لكن حلول أمين شرّي أوّل في بيروت، وعبد الرحيم مراد في البقاع الغربي، وخسارة الحزبيّين لمصلحة مقرّبين كانوا في الأمس القريب في الجهة المقابلة، تعتبر في ذاتها انتكاسة لم يتمكّن “المستقبل” من معالجتها قبيل الاستحقاق وهي ستترك آثارها على جسده.