تعمل أوساط سياسية على خط التقريب بين «التيار» و«أمل» معربة عن أملها في تخطي هذه المشكلة قبل حلول العشرين من أيّار الجاري بدعم التيار ترشيح برّي لرئاسة المجلس النيابي
 

نجحت الطبقة السياسية في إعادة إنتاج نفسها وفق قانون انتخابي فصّلته على قياسها، بما يضمن لها العودة إلى الإمساك بالسلطة كما كان الحال في القانون الأكثري، وها هي تستعد للانتقال إلى الدخول في بازار تقاسم جبنة الحكومة التي ستشكل حكماً بعد انتهاء ولاية المجلس الحالي في العشرين من الشهر الجاري، وبعد ان تنتخب رئيساً للمجلس الجديد. وتؤشر كل المعطيات السياسية إلى ان الاتفاق سيرسو في نهاية الأمر على الرئيس الحالي نبيه برّي المدعوم من حزب الله، بالرغم من استمرار التباين بينه وبين التيار الوطني الحر الذي يقود أكبر تكتل نيابي بعد الثنائي الشيعي المؤلف من حركة «امل» وحزب الله، وصدور مواقف لعدد من نوابه المنتخبين تعد بأن نواب التيار سيثأرون في انتخابات الرئاسة الثانية من السياسة التي اعتمدها الرئيس برّي المعارضة لانتخاب العماد ميشال عون المدعوم من حزب الله رئيساً للجمهورية بعد التسوية التي كان رئيس تيّار «المستقبل» سعد الحريري عرّابها الأساسي، والتي تفاقمت خلال الحملة الانتخابية بعدما وصف رئيس التيار جبران باسيل الرئيس برّي بالبلطجي، وبلغت حدود الوقوع في فخ الفتنة بين المسيحيين والطائفة الشيعية.
غير ان اوساطاً سياسية تعمل على خط التقريب بين الفريقين تعرب عن املها في تخطي هذه المشكلة بين التيار و«امل» قبل حلول العشرين من أيّار الجاري، بدعم التيار ترشيح برّي لرئاسة المجلس النيابي وبالتالي فتح صفحة جديدة في العلاقة بين الحزبين، وثمة أكثر من مؤشر على ذلك ليس أوّلها الموقف الإيجابي الذي اتخذه الرئيس برّي من رئيس التيار الوطني وملاقاة الوزير باسيل له بكلام أكثر إيجابية.
وإذا كانت هذه الأوساط تبدي تفاؤلها بإمكان تجاوز استحقاق انتخاب برّي رئيساً لمجلس النواب من قبل التيار الوطني الحر ومن يدور في فلكه من كتل نيابية، فإنها لا ترى بأن الأمر نفسه ينطبق على تشكيل الحكومة الجديدة بعد إعلان برّي عن تمسك الطائفة الشيعية بوزارة المال تأسيساً على قراءتها لاتفاق الطائف، ورد الرئيس الحريري المرشح الأوفر حظاً لترؤس الحكومة المقبلة الرافض لأية شروط تملى عليه أو على الدولة، وتأكيد التيار الوطني الحر على ان الطائف لم يعط وزارة المالية للطائفة الشيعية، فضلا عن الإشارات الواضحة التي أطلقها رئيس الجمهورية في رسالته الأخيرة التي وجهها إلى الشعب اللبناني بعد الانتخابات النيابية والتي حدّد فيها الأولويات الرئاسية لمرحلة ما بعد الانتخابات، وفي مقدمها الدعوة إلى حوار وطني للاتفاق على الاستراتيجية الدفاعية وانه سيسعى مع رئيسي المجلس والحكومة كي يستعيد المجلس العتيد دوره الرقابي والتشريعي، فيكون بذلك مساحة اللقاء الطبيعية لعرض القضايا التي تهم اللبنانيين ومناقشتها لا سيما تلك التي ستكون محور حوار وطني يعتزم الدعوة إليه بهدف استكمال تطبيق اتفاق الطائف بكل مندرجاته الواردة في وثيقة الوفاق الوطني، ووضع استراتيجية دفاعية تنظم الدفاع عن الوطن وتحفظ سيادته وسلامة أراضيه.
وفي وقت تُشير أوساط سياسية، إلى ان رئيس الجمهورية أراد من إطلاق هذا الموقف ان يرسل إشارات مطمئنة ومريحة للخارج بعد التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم في أعقاب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، فإن هذه الأوساط نفسها تلفت إلى وجوب ترقب ما يُمكن ان يكون ردّ فعل حزب الله على هذا الطرح الذي أبدى عبر أمينه العام انفتاحه على النقاش في الاستراتيجية الدفاعية بعدما طلع نائبه مؤخراً بمقولة ان البحث في موضوع المقاومة مرفوض لأنها ستستمر حتى زوال إسرائيل من الوجود، ورأى أمينه العام غداة الانتخابات ان النتائج التي أسفرت عنها أمّنت الشرعية والحصانة لسلاح الحزب.
وتقول الأوساط نفسها ان كلام كل من الأمين العام للحزب ونائبه يأتي رفضا لما وعد به رئيس الجمهورية بإعادة فتح ملف الاستراتيجية الدفاعية بعد تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات وتطبيق كل ما ورد في وثيقة الوفاق الوطني، وهذا يُشكّل إشارة واضحة إلى ان البلاد مقبلة على أزمة كبيرة قد تعطل تشكيل حكومة العهد الأولى وتفتح باب جهنم على العهد الذي وعد نفسه بأن انطلاقته ستكون بعد الانتخابات النيابية لتحقيق الأهداف التي رسمها لولايته وفي مقدمها الإصلاحات الحقيقية التي تنقل الدولة من مرحلة إلى أخرى أفضل بكثير مما كانت عليه، قبل ان يضيف إليها قضية الاستراتيجية الدفاعية التي تشكّل، كما هو واضح، نقطة خلافية جوهرية بين اللبنانيين، وكانت السبب الرئيسي في تعطيل لبنان أكثر من عشر سنوات وما زالت تعيق استقراره وتقدمه، وتؤثر سلباً على علاقاته العربية والدولية، في وقت يُطلب فيه من لبنان ملاقاة الجهود الدولية عبر الوفاء بالتعهد الذي قطعه رئيسا الجمهورية والحكومة للمجتمع الدولي بدرس استراتيجية دفاعية تستوعب سلاح حزب الله وتحوّله من ميليشيا مسلحة إلى حزب سياسي اعزل كما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني التي أقرّت في الطائف.