جرة قلم ترامب تشطب ربع قيمة الريال في يوم واحد، والإيرانيون يطاردون العملات الأجنبية بأي ثمن خوفا على مدخراتهم.
 

عم الهلع أوساط الايرانيين الخائفين على مدخراتهم، وبدأت أعداد متزايدة بمطاردة أي أثر للعملات الأجنبية بأي ثمن بعد أن شطب الرئيس الأميركي بجرة قلم ربع قيمة العملة الإيرانية في يوم واحد، لترتفع خسائرها إلى أكثر من نصف قيمتها منذ بداية العام وأكثر من 70 بالمئة منذ توقيع الاتفاق النووي.

أكد مصرفيون أن النظام المصرفي الإيراني أصبح يواجه خطر الانهيار التام، وأن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي سيفرض ضغوطا غير مسبوقة على النظام المتعثر بالفعل بسبب جبال من القروض المتعثرة وسنوات العزلة.

وذكر موقع بونباست.كوم الذي يرصد أسعار السوق الحرة للعملات في إيران، أن الدولار عرض أمس بسعر يصل إلى 75 ألف ريال في حين نسبت وكالة رويترز إلى متعامل تأكيده إبرام عمليتي بيع للدولار بسعر 80 ألف ريال.

وأكد متعاملون أن أسواق الصرافة إما مغلقة أو أنها تضع يافطة تشير إلى أنها لا تملك أي دولارات أو عملات أجنبية بسبب الإجراءات المالية القمعية والاتهامات العشوائية التي يمكن أن توجه للمتعاملين في السوق المحلي.

وانتقلت عمليات البيع والشراء الشحيحة إلى الباحات والشوارع الخلفية حيث يطارد الإيرانيون الخائفون على مدخراتهم أي أثر للعملات الأجنبية وبأي ثمن خوفا على حدوث ما هو أسوأ.

وتشير تداولات السوق السوداء أمس إلى أن توقيع ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي شطب في يوم واحد ما يصل إلى ربع قيمة الريال الإيراني، الذي كان في موجة هبوط سريعة منذ بداية العام الحالي.

وارتفعت بذلك خسائر العملة الإيرانية إلى أكثر من نصف قيمتها منذ الاحتجاجات الأخيرة في يناير الماضي، التي عمت جميع المدن الإيرانية بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية لمعظم الإيرانيين، وتصل بذلك خسائر الريال إلى أكثر من سبعين بالمئة منذ تطبيق الاتفاق النووي بداية عام 2016.

80 ألف ريال إيراني سعر صرف الدولار أمس مقارنة بنحو 42 ألفا في بداية العام الحالي

ومن المؤكد أن يقوض انهيار الريال السريع جميع الأنشطة الاقتصادية المتعثرة أصلا ويؤدي إلى غليان التضخم والإضرار بمستويات المعيشة والحد من قدرة الإيرانيين على السفر إلى الخارج.

وفي مسعى لوقف هذا التراجع غير المسبوق، أعلنت السلطات الإيرانية الشهر الماضي أنها ستوحد سعر الصرف الرسمي وسعر السوق الحرة عند مستوى 42 ألف ريال للدولار مع حظر أي تداولات بأسعار أخرى عن طريق وضع المتعاملين بها تحت طائلة الاحتجاز.

لكن الخطوة لم تقض على السوق الحرة لأن المبالغ الضئيلة من العملة الصعبة التي توفرها السلطات عبر القنوات الرسمية لا تلبي ميل الإيرانيين للتخلص من العملة المحلية.

ويقول كثير من المتعاملين إن معاملات السوق الحرة أصبحت ببساطة تجرى في الخفاء.

ونسبت وكالة رويترز إلى مقيمين في طهران قولهم أمس إن النشاط في السوق الحرة تراجع قليلا بسبب تخوف الناس من إلقاء القبض عليهم والتقلبات الجامحة في أسعار الصرف مما يزيد المخاطر على المتعاملين.

لكن المتعامل الذي تحدث عن البيع بسعر 80 ألف ريال قال إن إحدى معاملاته كانت مع شخص باع شقته قبل أسبوع، لكنه قرر شراء الدولار بدلا من شقة أخرى في إيران تفاديا لأي مشكلة محتملة قد تعترضه.

وأقر مسؤول كبير في بنك ملي، أكبر بنك إيراني مملوك للدولة، بأن المدخرات انخفضت بمقدار لم يحدده. وقال إن الأوضاع داخل النظام المصرفي تدهورت في السنة الأخيرة “ولم نتجاوز مرحلة الخطر بعد”.

ويعكس غياب الثقة المشكلات الأوسع نطاقا التي تهدد الرئيس الإيراني حسن روحاني، حيث شحت الاستثمارات مع فرض البنوك حدا أقصى للإقراض بينما يتباطأ النمو ويبلغ معدل البطالة مستوى قياسيا مرتفعا.

وقال مينا عبدالصالحي وهو معلم متقاعد في طهران “أنا قلق من نشوب حرب. لقد حولت جميع مدخراتي إلى عملات ذهبية يمكنني تسييلها بسهولة إذا حدث أي شيء”.

30 مليار دولار هربت من إيران منذ أن تفجرت الاحتجاجات في شهر ديسمبر الماضي بسبب الأوضاع الاقتصادية

وقال مسؤول مصرفي إيراني إن أعدادا متزايدة من الإيرانيين يسحبون أموالهم من البنوك بسبب “خشيتهم من نشوب الحرب وفرض المزيد من العقوبات”.

وكانت وكالة الطلبة للأنباء شبه الرسمية نقلت عن محمد رضا بور إبراهيمي رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان قوله في مارس إن تدفقات رؤوس الأموال النازحة للخارج بلغت 30 مليار دولار منذ تفجر الاحتجاجات في ديسمبر الماضي.

وكان روحاني يراهن بعد إبرام الاتفاق النووي في 2015 على جذب استثمارات أجنبية للمساعدة في رفع مستويات المعيشة، لكن جميع الطموحات تبخرت، وتواجه حتى الصفقات التي أبرمت خطر الإلغاء حاليا.

وواجه روحاني صعوبة في إصلاح النظام المصرفي حيث يعاني 30 مصرفا ومؤسسات ائتمانية أخرى من التفكك أكثر من غيرها في الأسواق الناشئة الأخرى إضافة إلى أنها مثقلة بالديون المتعثرة.

وقدرت مصادر مالية القروض القائمة بنحو 283 مليار دولار، بينما بلغت نسبة الديون المتعثرة حوالي 12.5 بالمئة في عام 2017 وفقا لتقديرات معهد التمويل الدولي، لكن بعض المصادر تقدرها بما يصل إلى 15 بالمئة.

وقال صاحب مصنع نسيج في مدينة مشهد إن الحكومة تريد تحسين الاقتصاد، لكنها لا تستطيع دعم الأعمال “كيف يمكنني إدارة عملي عندما يرتفع سعر صرف الدولار ولا أستطيع الحصول على قروض من البنوك بسبب ارتفاع أسعار الفائدة؟”.

وأضاف إنه اضطر لتسريح نصف عدد موظفيه البالغ 65 موظفا سعيا للحفاظ على استمرار عمله، لكنه قال “لا أعلم إلى متى يمكنني إبقاء المصنع مفتوحا؟”.