انتهت المعركة الانتخابية التي خلطت «الحابل بالنابل»، ففرّقت بين الأحباء وجمعت بين المُطلّقين. وصدرت النتائج التي فَرملت انطلاقة البعض على الطريق السريع فتحوّل طريق موت بعض الأحلام ـ الأوهام. النتائج نفسها ضخّت حركة أطرافٍ أخرى بدفعٍ شعبي. وما بين تراجع البعض وتقدّم البعض الآخر، تعود الممارسة الداخلية اللبنانية لتتحكّم باللعبة السياسية على صعيد التحالفات والتكتلات والتكليف والتأليف الحكوميَين.
 

بعد دَوبلة «سكورها» من 8 نواب إلى 16 نائباً «قواتيّاً» صَرف، كيف ستتموضع «القوات اللبنانية» سياسياً وتحالفياً؟ وكيف تنوي عَكس الحصة الوازنة في المجلس النيابي في الحكومة العتيدة؟ وهل ستنجح في تحقيق تطلّعاتها؟ أم أنّ محاولة تحجيمها وإبعادها ستستمرّ وتنجح، فتنحصر مهماتها بالمعارضة ومراقبة العمل الحكومي؟

يرى البعض أنّ الحركة الطالبية «القواتية» التي انطلقت منذ أوائل التسعينات واستمرت بزخمٍ إلى العام 2005، كانت المدماك الأساسي لانتفاضة 14 آذار، لا تزال «القوات تقطف ثمارها، ومنها النتائج التي حققتها في الانتخابات.

قدّمت «القوات» صورة «نظيفة» للرأي العام، من وضوح خطابها السياسي وعدم تبدّله، إضافةً إلى انسجام تموضعها مع خطابها وعدم اعتمادها البراغماتية في نسج تحالفاتها الانتخابية أو السياسية.

ولا شكّ أنّ فوقية أطراف أخرى وتعاليها، ومحاولتها إلغاء بقية الأفرقاء أو تحجيمهم، إضافةً إلى فشلها في مهماتها النيابية والوزارية، خسّرها نسبة كبيرة من الرأي العام، فخُلق رأي عام جديد، وأظهر مدى حاجة اللبناني الفعلية الى «التغيير» والى دولة فاعلة.

وفي حين لم تهضم «القوات» ما اعتبرته تمَنين «التيار الوطني الحر»، وعلى لسان رئيسه الوزير جبران باسيل، لها بإعطائها 3 حقائب وزارية بعد «تفاهم معراب» وانتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، واعتبار أنّ هذا العدد يفوق حجمها النيابي والشعبي الحقيقي، تعتبر «القوات» ان نتائج الانتخابات الأخيرة هي ورقة في يدها تخوّلها الحصول على حصة وزارية توازي حصة «التيار الوطني الحر»، من دون «مِنّة» من أحد.

فمن عكار إلى دائرة الشمال الثالثة، مروراً بجبل لبنان وبيروت وزحلة وصولاً إلى بعلبك ـ الهرمل والبقاع الغربي، أظهرت النتائج أنّ العصب «القواتي» الحزبي لا زال قوياً، وفي حين كان المُعتقد السائد أنّ عدم إجراء تحالفات انتخابية وجذب مُرشحين يرفعون الحواصل الانتخابية، سينعكس تحجيماً لها، تؤكّد مصادر قواتية لـ«الجمهورية» أنّ النتيجة لم تكن مفاجئة إطلاقاً بالنسبة الى معراب، وتوضح أنّ النتيجة مردّها سببان:


1 - تمثيل «القوات» النيابي السابق لم يكن يعكس حقيقة تمثيلها الشعبي نتيجة القوانين الانتخابية الظالمة والمجحفة. لذلك سعت طويلاً من أجل الوصول إلى قانون انتخابي يعكس صحة التمثيل السياسي بمعزل عن الملاحظات على القانون الانتخابي الحالي، الذي تعتبر أنه يعكس صحة تمثيلها.


2 - من خلال تراكم مواقفها السياسية ووضوحها السياسي نجحت «القوات» في السنوات الأخيرة في تغيير الصورة التي كان يعمل عليها النظام السوري من خلال تشويه صورتها عن سابق تصوّر وتصميم، وبالتالي رأى الرأي العام اللبناني بأمّ العين الوضوح الذي تعمل على أساسه، وأنّ ممارستها لم تتناقض مع أقوالها، وأنها لا تدّعي ما لا تفعل، وأنها قادرة على حمل مشروع سياسي وإيصال هذا المشروع إلى أهدافه المطلوبة.

ماذا بعد هذه النتيجة على صعيد التحالفات السياسية والوزن الحكومي؟

تشدّد المصادر على أنه «بعد هذا الحجم النيابي الكبير الذي خرجت به «القوات اللبنانية» لم يعد بالإمكان استبعادها وتحجيمها أو محاولة استضعافها أو إحراجها لإخراجها»، مشيرةً إلى أنه «كانت هناك محاولات حثيثة لإخراجها من الانتخابات النيابية مُحجّمة واستبعادها من الحكومة لأنّ بعض القوى السياسية انزعجت من ممارسة «القوات» الحكومية المُتشدّدة بتطبيق القوانين المرعية والشفافية».

وتؤكّد المصادر أنّ «القوات ستكون شريكة أساسية في الحكومة المُقبلة انطلاقاً من حصتها النيابية الوازنة وتمثيلها الشعبي الكبير».

أما بالنسبة الى التحالفات فتكشف المصادر أنّ «القوات منفتحة على التحالف والتقاطع مع كل القوى السياسية، إن كان بالعنوان السيادي أو بالعنوان الإصلاحي، ولذلك يُمكن أن تتقاطع سيادياً مع قوى سيادية، وإصلاحياً مع قوى سياسية أخرى».

وتوضح أنّ «القوات» ستعمل على تحقيق مشروعين أساسيَّين:

• قيام دولة فعلية ممسكة بقرارها الاستراتيجي وتسيطر على كل السيادة اللبنانية بسلاح الجيش اللبناني.
• إدارة الدولة، بطريقة شفافة ونظيفة بعيداً من الصفقات والسمسرات ومن كل المسار الذي كان سائداً في المراحل السابقة والعقود الماضية.

ولكن هل ستتمكّن «القوات» من فرض تمثيلها وزارياً، إن شُكِّل «تحالف جامع» لاستبعادها؟

تجيب المصادر «القواتية»: «إذا كان الاتّجاه نحو تأليف حكومة وحدة وطنية، فإنّ «القوات اللبنانية» لديها كتلة نيابية كبيرة، واستبعادها غير مُمكن، وبالتالي ستكون شريكة أساسية». وتجزم بأنه «لا يُمكن أيُّ طرف وضع «القوات» في موقع المعارضة أو دفعها في هذا الاتّجاه لأنّ الرأي العام اللبناني الذي أعطاها هذا الكم من النواب، لديه الثقة في ممارستها الحكومية، وسيعتبر أنّ أيَّ حكومة لن تكون موجودة فيها «القوات» مُنتقصة، وأنَّ الهدف من استبعادها هو الذهاب في اتّجاه سياسات لا تتماشى مع رغبة الرأي العام في الإصلاح والتخلّص من الفساد والذهاب إلى دولة شفافة وممارسة واضحة».

وتلفت إلى أنّ «علاقتها السياسية غير مقطوعة مع أيِّ طرف سياسي، فهناك خلاف استراتيجي مع «حزب الله» ولكن لا توجد قطيعة سياسية مع «التيار الوطني الحر» على رغم الخلاف في أكثر من ملف، وتحديداً الخلاف الانتخابي، أما العلاقة مع تيار «المستقبل» فمن طبيعة استراتيجية سيادية على رغم الخلاف حول طريقة إدارة الدولة».

إذاً، ما هو عدد الوزارات الذي ستطالب به «القوات» وأيُّ حقائب تطمح أن يحمل وزراؤها في الحكومة المقبلة؟

ترى المصادر «القواتية» أنّ «من المُبكر الدخول في موضوع عدد الوزارات، الذي يخضع للقيادة الحزبية وللتشاور مع الكتلة النيابية، بعد مسار تكليف رئيس الحكومة الذي يليه مسار تأليف الحكومة». وتؤكّد أنّ «القوات لا تضع أيَّ شروط مُسبَقة وهي منفتحة على الحوار والتشاور إلى أقصى حدّ، انطلاقاً من ثابتة أساسية وهي احترام تمثيلها للناس وأن تكون لديها حصة وازنة تستطيع من خلالها أن توطّد مشروعها السياسي تحقيقاً لتطلعات الناس الذين انتخبوها».

وعن قول جعجع إنّ «وزارة الطاقة والمياه صار بدّا قوات»، توضح الأوساط أنّ «جعجع أطلق هذا الموقف من خلفية أنّ «القوات» لا تعتبر هذا الملف مستعصياً، إن كان البعض يعتبره كذلك، إلّا أنه لم يضع شرطاً للدخول إلى الحكومة الحصول على وزارة الطاقة أو غيرها، بل هو يريد أن يحفّز القوى السياسية، وبالتحديد «التيار الوطني الحر» على معالجة هذا الملف، لأنه يُشكّل مصلحة حيوية للبنانيين وللخزينة اللبنانية».