في التاريخ الطويل للزعامة الدرزية، لطالما كان التوازن السياسي بين البيتين الجنبلاطي والإرسلاني ضرورة، فهو جزء من التوازن الذي أنيط بهم على مدى عقود طويلة، في الحكم والسلطة والطائفة وخارجها. الى أن كانت «حرب الجبل» التي توحّد فيها الدروز كافة خلف الزعيم الإشتراكي وليد جنبلاط، وحوّلوه الى الزعيم الدرزي الأول في لبنان. أمّا اليوم فيحاول النائب طلال إرسلان فرض نفسه كقطب الى جانب جنبلاط، ما يعني أنّ التناحر على الزعامة الدرزية بدأ، وما إشكال الشويفات إلا أحد تداعياته. حيث علمت «الجمهورية» أن القاتل قد فرّ إلى خارج لبنان عن الطريق الحدودية البرية البقاعية مع سوريا..
 

يُجمع محللون على أنّ الإشكال الذي حصل في الشويفات، معقل «اليزبكية» التي تقودها الزعامة الإرسلانية، بين أنصار جنبلاط وإرسلان ليس أمنيّاً بل نتيجة احتقان سياسي له علاقة بالانتخابات والتوازنات داخل الطائفة الدرزية، وإعادة توزيع القوى التي أظهرتها نتيجة الانتخابات.

الأزمة بدأت عندما قرر الحزب «الديموقراطي اللبناني» التحالف مع «التيار الوطني الحر»، بعدما فشلت مساعي التحالف بين الأخير والحزب «التقدمي الاشتراكي» على خلفية الصراع على بعض الأسماء والحصص المسيحية على لوائح جنبلاط.

وزاد من حدّة الأوضاع، التراكمات التي حصلت يوم الإنتخابات، لا سيما منها البلبلة التي حصلت في بعض أقلام الشويفات، فضلاً عن انتشار شريط للنائب أكرم شهيّب، يشير فيه الى أنّ طلال ارسلان «رئيس لائحة بالمتعة»، وهو ما حَقن الشارع المحسوب على الأخير.

وبحسب مراجع عسكرية لـ«الجمهورية» فإنّ هذا الاحتقان أدى الى انفجار في الشارع، إلّا أنه ظل في الأطر المحدودة رغم أنه أوقع قتيلاً، وذلك لأنّ القيادتين الدرزيتين تحرّكتا لضبط الأمور، لكون الشارع الدرزي لا يحمل هكذا هزّة. وهناك معالجة سياسية للموضوع الى جانب المعالجة الأمنية من خلال توقيف مَن شارك في الإشكال منذ بدايته من الطرفين. وفيما تسلّم الجيش بعض الضالعين في إطلاق النار من مناصري «الاشتراكي»، فإنه كان صارماً في موضوع تسلّم القاتل والمتورطين الباقين من الحزب «الديموقراطي اللبناني»، وكل من يظهره التحقيق متورّطاً، وسيستمر بالانتشار في الشويفات وفي تنفيذ مداهماته التي بدأها لحين تسليم كل المطلوبين، خصوصاً أنّ أنصار ارسلان أطلقوا النار باتجاه الجيش.

إنتهى الإشكال أمنياً إذاً عند هذه الحدود، بانتظار تشكيل الحكومة الجديدة التي سيحرص «التيار الوطني الحر» على حجز حقيبة فيها لإرسلان، وهو ما لا يريده جنبلاط لأنه لن يرضى بأن يأخذ أحد غيره من حصة الدروز، في الوقت الذي قال الوزير جبران باسيل انه وإن كان أحد لا يريد هزيمة المختارة إلا أنّ ارسلان حليف «التيار» حتى بعد الإنتخابات النيابية، فباسيل لن يخاطر بإعادة ما اعتُبر خطأ بإخراج ارسلان كما حصل سابقاً يوم كانت هناك حسابات تُوحي بتقارب عوني - جنبلاطي تسبّب في انسحاب ارسلان من «تكتل الإصلاح والتغيير» في المرة الاخيرة.

وإذ دعا ارسلان للتهدئة قائلاً: «من لديه كلمة جيدة فليقلها ومن لديه كلمة سيئة «يضبّها»، لفتَ الى أنّ «كل ما طُلب منّا قدّمناه «واللي عندي سَلّمتو واللي مش عندي مش شغلتي دَوّر عليه» وأرفع الغطاء عن كل من يثبت تورّطه»، معتبراً أنّ «الموضوع يجب ان يؤخذ برمّته، وهناك محرّض وصاحب فتنة وكلام غير مسؤول يصدر، لكن أنا مصرّ على الصمت الكامل في هذا الموضوع حالياً».

ونظراً للتوتر الحاصل، عقد اجتماع في مجلس آل ابي فرج في مدينة الشويفات، في حضور مشايخ المدينة ومخاتيرها وفعالياتها وعائلاتها، إضافة النائب اكرم شهيّب، ووكيل داخلية الشويفات في الحزب «التقدمي الاشتراكي» مروان ابي فرج، حرصاً على وقف الفتنة.

وبعد التداول في حادثة الشويفات، ووقوفاً على خاطر الهيئة الروحية وعلى رأسها الشيخ أمين الصايغ وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، طلب المجتمعون في بيان «من الامير طلال ارسلان تسليم أمين نسيب السوقي المُتواري، والمُتهم الرئيسي بحادثة الشويفات التي أدّت الى استشهاد الشاب علاء عقيد أبي فرج، وإبلاغنا الجواب القاطع بالتسليم او عدم التسليم خلال 24 ساعة من تاريخ صدور هذا البيان، وذلك حرصاً على وحدة الطائفة ووَأد الفتنة داخل البيت الواحد».

كما طالبوا أركان الهيئة الروحية والمشايخ «الأجّلاء بالضغط والتحرك لتسليم المتهم، حرصاً على وحدة الطائفة وتحاشياً لأي فتنة».

وكان رئيس «لائحة المصالحة»، النائب تيمور جنبلاط، أعلن إلغاء المهرجان المركزي الذي كان مقرراً الأحد بالتوازي مع إلغاء الإستقبالات للنواب والمرشحين الفائزين، نظراً إلى الظروف المستجدة في مدينة الشويفات.

في النهاية، لا شك في أنّ الأبرياء هم من يدفعون دائماً ضريبة الحسابات السياسية، وعلاء أبو فرج ليس سوى ضحية جديدة للاحتقان السياسي الذي لا يحسب أحد لتداعياته حساباً. أمّا أهله فتوعّدوا بأنهم لن يدفنوا جثته قبل تسليم قاتله، هم الذين ما زالوا لا يستوعبون فقدان ابنهم الذي كان سيُزفّ قريباً لعروسه.