فاز أكثر من مرشح ببضع عشرات الأصوات وسقط عديد من المرشحين في الدائرة نفسها على رغم نيلهم آلاف الأصوات، لأن بدعة “الطائفة + الحاصل النسبي” رجّحت حظوظ الأولين ولم تأتِ لمصلحة الآخرين. وحين يتطلّب الفوز أكثر من عشرين ألف صوت لمرشح وأقلّ من عشرة آلاف في دائرتين مختلفتين، فلا يعني ذلك سوى أن تقطيع الدوائر عشوائي وغير عادل وغير متكافئ. وإذ لعبت وفرة المال أو نقصه من جهة، والضغوط السياسية والترهيب الأمني من جهة اخرى، في تحديد من يعبرون الى الملكوت البرلماني، تكون العملية الانتخابية برمّتها في حاجةٍ الى مراجعة.

ولا عجب عندئذ في أن ينفضّ الناس عن صناديق الاقتراع وأن يطلقوا الرسالة الأهمّ: لا بدّ من تغيير قانون الانتخاب، فالطائفية والنسبية لا تلتقيان. وفي هذا القانون بقيت الطائفية هي الغالبة، ولم تفتح النسبية سوى نوافذ ضيّقة جداً للتغيير الصحيح.
 
أطراف عدّة قالت إنها تلقّت تلك الرسالة وإن البحث عن قانون جديد لا بدّ من أن يبدأ غداة يوم الاقتراع، وهو ما لن يحصل، فالفائزون استفادوا من القانون الحالي ولن يتحمّسوا لأخذ مهمة إبداله على عاتقهم، ثم ان الاستحقاقات الصعبة الآتية ستلقي بأثقالها على الجميع، ولن يتمكّن الحكم والحكومة من إعطاء
 
أولوية للنظر في قانون آخر للانتخاب بعدما استغرق الخروج من القانون السابق عقوداً.
 
جرى الحديث عن “مفاجآت” تسبّب بها القانون الحالي، لكن التوقّعات التي تلت إقراره العام الماضي ظلّت هي الأصحّ، إذ كان معروفاً حينذاك مَن سيكسب ومَن سيخسر، وتمكّنت القوى المهيمنة من إثبات أرجحيتها، لا لأنها ذات شعبية ترجّح تمثيلها بل لأنها ذات سطوة تفرض ارادتها، وهي لا تحترم “قواعد الديموقراطية” وإنما تغلّب “البلطجة” السياسية.
 
ما نتج من انتخابات 2018، بالنسبة الى “حزب الله”، صحّح نتائج انتخابات 2009. قبل تسعة أعوام خرج الامين العام لـ”الحزب” ليقول إن الأكثرية النيابية لا تعنيه لأن لديه “الأكثرية الشعبية”.
 
أما الاقتراع الأخير الذي لم يُسفر عن أي تحالف ذي غالبية فأتاح له القول بأن النتيجة تشكّل “انتصاراً لخيار المقاومة”، وكان تبريره للفظاظة و”البلطجة” والترهيب التي مارسها “الحزب” ضد بيئته الحاضنة تكريساً لمصادرة طائفة واستخدامها ضد الطوائف الاخرى. ولا علاقة لنهج كهذا بأي مفهوم قانوني أو حقوقي تفترضه أي عملية انتخابية، ولا عزاء للطامحين الى تعزيز مكانة الدولة ودورها. ففي مجلس فسيفسائي كهذا، ومع كتلة ممثلي النظام السوري المعلَنين أو المموَّهين، ومع استمرار “التفاهم” مع التيار العوني، ستستطيع كتلة “حزب الله” فرض ارادتها على المجلس النيابي وشروطها على تشكيل الحكومة المقبلة، وسيقال إن هذا ما تتيحه “الأكثرية الشعبية”، لكن ما يتيحه فعلياً هو “السلاح غير الشرعي”.