الحريري تعرّض لنكسة كبيرة ، يجب عليه أن يُعالج تداعياتها قبل أن تُصبح نكبة لمشروعه السياسي ولزعامته
 

 

يُجمع الكل بمن فيهم تيار المستقبل أن ما حصل في إنتخابات ٦ أيار ٢٠١٨ هو فشل ذريع للرئيس سعد الحريري ومشروعه السياسي في السنوات الماضية .

فالحريري الذي كان يمتلك كتلة نيابية قوامها حوالي ال ٣٤ نائبا ، بات اليوم رئيسا لكتلة مكوّنة من ٢١ نائبا فقط .

ولا يمكن وضع معيار ثابت للبناء عليه وتقييم ما حصل مع الحريري ، خصوصا في بيروت ، لكن الثابت الوحيد هو أن الرجل تعرّض لنكسة كبيرة ، يجب عليه أن يُعالج تداعياتها قبل أن تُصبح نكبة .

وكان واضحا أن المزاج السني في بيروت أراد معاقبة الحريري ، وإستطاع خصومه إستغلال النقمة الشعبية وثغرات القانون النسبي ، فألحقوا به خسارة مدوية ، حيث لم يستطع سوى الحصول على ٥ مقاعد من أصل ١١ مقعد في بيروت .

وحصل حليفه في الدائرة النائب السابق وليد جنبلاط على المقعد الدرزي .

هذه الخسارة كانت في بيروت الثانية ، أما بيروت الأولى فبالأساس تركها  تيار المستقبل للقوى المسيحية ، وقرّر الحريري فيها دعم التيار الوطني الحرّ الذي للغرابة تحالف مع الثنائية الشيعية في بيروت الثانية وألحقوا به هذه الهزيمة .

وربطا بما جرى ، هناك عدّة عوامل ساهمت في خسارة الرجل ، أهمها الدعاية والحملة الإنتخابية التي نظمّها تيار المستقبل وتبنّى فيها شعار " الخرزة الزرقاء " والتي تحوّلت إلى سخرية على ألسنة اللبنانيين ، في ظل الفقر والبطالة التي تجتاح المناطق اللبنانية بشكل عام .

 

إقرأ أيضا : مستقبل "المستقبل "

 

 

وكان السؤال الأبرز المُرافق للحريري دائما في جولاته من قبل الناس ، خرزة زرقا على شو ؟!

أضف ، أن الحريري حاول تقليد الرؤوساء الغرب في سلوكياتهم وتقاربهم مع الناس ، ولا شك أن الحريري بطبعه قريب ومُحب  للناس ، لكن وجع الناس وجرحهم لم تستطع " السيلفي " أن تُضمده .

حاول الحريري في بعض المحطات التذاكي على الناس ، فقدّم شعارا سياديا وقسّم اللوائح في بيروت بين " فارسية " و " عربية " بأسلوب كان فاضحا أنه لغايات إنتخابية ولم تمر الخدعة عليهم ، وفي الوقت عينه كان يدعو السنة في الشمال للتصويت للوزير جبران باسيل ، الحليف المسيحي الأساسي للحزب .

هذا التناقض في الخطاب ظنّه الحريري أنه سينطلي على الناس ، لكن الناس كانوا في مكان آخر ، فقد شبعوا من هذه الشعارات وباتوا يريدون الخدمات والإنماء والقضاء على البطالة .

وخطاب السيادة هذا لو كان أولوية للناس لإنتخبوا اللواء أشرف ريفي ، لكن الناخب السني في هذه الإنتخابات كانت إهتماماته إنمائية صرف ، لذلك صوّتت الناس للمرشّح فؤاد المخزومي والرئيس نجيب ميقاتي والوزير عبد الرحيم مراد وهم رجال أعمال ، على عكس أولويات الناخبين الشيعة والدروز .

كل هذه العوامل ، يُضاف إليها الثغرات في القانون النسبي العجيب وتعدّد اللوائح المّنافسة لتيار المستقبل وإنخفاض نسبة الإقتراع وضعف الأسماء التي رشّحها الحريري مع سوء حياكته للتحالفات الإنتخابية ، جعلته يخسر هذا العدد الكبير من النواب .

مع هذا، بقيت كتلة المستقبل الأكبر في المجلس النيابي اللبناني ، وبقي الحريري الزعيم الأول للسنة ، وهنا الكلام الكبير .

يرى البعض أن كتلة المستقبل في دورتي ٢٠٠٥ و ٢٠٠٩ كانت كتلة غير طبيعية لناحية الحجم ، بمعنى أنها كانت حالة إستثنائية وليست القاعدة ، فتضخمها بذاك الشكل لا يجعل منها معيارًا على قوة التيار السياسية أو ضعفه ، وبالتالي فإن الكتلة الحالية في ٢٠١٨ لا زالت ضمن حدود المعقول وهي الأكبر في المجلس ، وتكفي الحريري لأن يكون أكبر زعامة سنية في البلد .

 

إقرأ أيضا : ماذا بقي من الخطاب الإنتخابي غير التحريض؟

 

 

مقابل هذا الرأي ، هناك من يقول أن خسارة الحريري الأساسية كانت في المقاعد السنية ( خسر ١٠ مقاعد من أصل ٢٧ مقعدا ) ، بمعنى أن المعركة أصبحت داخل ملعبه الضيق ، ومن هنا تكمن أهمية ما حصل .

هذا يعني أن زعامة الحريري تعرّضت لنكسة لا نكبة ، وهذه النكسة أبقته الزعيم الأول للسنة في لبنان لكن ليس الأوحد .

كان الحريري في الماضي يقول للثنائية الشيعية أن البديل عن تيار المستقبل هو التطرّف السني ، والإعتدال مُختزل في مشروع الحريرية السياسية ، لكن بعد نتائج ٦ أيار فقد الحريري هذا الهامش ، كون القوى والشخصيات السنية التي إنتصرت عليه هي الأخرى معتدلة وعلى علاقة ممتازة مع الثنائية .

هذا الأمر يفتح باب الإحتمالات على هوية المرشّح لرئاسة الحكومة المقبلة ، ولن يكفي الحريري هذه المرة تحالفه مع التيار الوطني الحر لكسب تلك الجولة ، فالقوات مُتحفّظة عليه وجنبلاط غاضب منه والرئيس نبيه بري يُجهّز له سلّة شروط تبدأ من أن تكون وزارة المالية من حصّة الشيعة وقد لا تنتهِ إلا بإبتعاد الحريري عن العهد وباسيل .