نتائج الانتخابات تسفر عن صعود لحزب القوات اللبنانية، يقابله جمود في حجم كتلة التيار العوني ونكسة لتيار المستقبل
 

لم ينجح القانون الانتخابي الجديد في لبنان الذي يعتمد على صيغة معدّلة للنظام النسبي، من خلال ما يسمّى الصوت التفضيلي والتقسيم الطائفي للمقاعد الانتخابية، في تحفيز الناخب اللبناني على المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأولى منذ تسع سنوات، حيث كان الامتناع عن الاقتراع مفاجأة كبرى للنخب السياسية بالبلد.

 ولم تحمل نتائج الانتخابات جديدا بالمشهد البرلماني حيث واصل الثنائي الشيعي، حركة أمل وحزب الله، سيطرته على المقاعد الشيعية، في حين نجح حزب القوات في توسيع تمثيله البرلماني مقارنة بالسابق، إضافة إلى صعود لوائح “كلنا أمل” المدنية أمام نكسة حقيقية يشهدها تيار المستقبل وجمود لحزب الرئيس القوي الذي يمثله التيار العوني.

كشفت الانتخابات التشريعية اللبنانية التي جرت، الأحد الماضي، عن سلسلة من المفاجآت التي ثبت أن المراقبين لم يحسنوا توقعها بدقة ولم يستشرفوا حجم تداعياتها على المشهد البرلماني الجديد.

وتأتي هذه الانتخابات، وهي الأولى منذ العام 2009، استكمالا لتسوية سياسية أتت بميشال عون، حليف حزب الله، رئيسا للبلاد في أكتوبر 2016، وبسعد الحريري رئيسا للحكومة، بعد نحو سنتين من الفراغ الدستوري وشلل المؤسسات الرسمية.

وفيما تنافست شركات استطلاعات الرأي على تقديم قراءاتها محاولة استباق صدور النتائج النهائية، بدا أن كافة القوى السياسية حبست أنفاسها حتى اللحظات الأخيرة قبل إعلان وزارة الداخلية عن أسماء الفائزين، بما عكس الغموض الذي انطوى عليه قانون الانتخابات من جهة، وعدم قدرة الماكينات الانتخابية على الإحاطة بشكل كامل بتفاصيل العمليات الانتخابية من جهة ثانية.

وجاءت المفاجأة من ارتفاع نسبة الامتناع عن المشاركة في التصويت بما اعتبر رسالة غضب عام وجهها اللبنانيون إلى كل الطبقة السياسية، وإشارة يأس جماعي من إمكانية إحداث أي تغيير من خلال الانتخابات. وشارك نحو نصف الناخبين اللبنانيين الأحد في عملية الاقتراع لاختيار 128 نائبا، مع معدل اقتراع 49.2 لم يلب تطلعات معظم الأحزاب التي توقعت أن يعكس إقرار قانون يعتمد النظام النسبي تهافتا على صناديق الاقتراع.

البرلمان الجديد سيشهد دخول شخصيات سنية مناوئة لتيار المستقبل، إلا أن ذلك لن يهدد زعامة سعد الحريري وحظوظه في العودة إلى تشكيل الحكومة المقبلة

وعلى الرغم من مسارعة المحللين إلى اعتبار حزب الله هو الفائز الأكبر في هذه الانتخابات، إلا أن اندفاع مناصري الثنائي الشيعي إلى تسيير مظاهرات الابتهاج الاستفزازية داخل أحياء في بيروت محسوبة على تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري، عبّر عن توتر لدى هذا التحالف يكشف أن هذا “الانتصار” لم يكن سهلا ولا يقين به، وأن الثنائي استخدم كافة وسائل التجييش والترغيب والكثير من الترهيب لضبط كتله الناخبة.

وفيما لا تحمل هيمنة الثنائية، حزب الله-حركة أمل على معظم المقاعد الشيعية أي مفاجأة غير متوقعة، عبّر فشل مرشح الحزب في منطقة جبيل ذات الأكثرية المسيحية عن توجه لدى الناخب المسيحي، لا سيما المؤيد للتيار العوني، بـ”طرد” التمثيل البرلماني للحزب من هذه المنطقة، بما يطرح ربما أسئلة عن مصير التحالف بين الحزب والتيار الوطني الحر بزعامة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئاسة صهره وزير الخارجية جبران باسيل.

تقدم لحزب القوات
مقابل لا مفاجأة تربع “الثنائية” على مقاعد الشيعة، برزت مفاجأة “الاجتياح” الذي حققه حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع من خلال توسيع تمثيله البرلماني إلى الضعف مقارنة بما يملكه داخل البرلمان الحالي.

واعتبر المراقبون أن المزاج المسيحي قد تبدل تماما حيال “القوات” استنادا إلى مواقف حزب جعجع سياسيا كما أداء نوابه ووزرائه، كما خطابه المتزن والحذق في إدارة شؤون الاستحقاقات الداخلية والخارجية.

ورأى المحللون أن صعود “القوات” يقابله جمود في حجم كتلة التيار العوني المنافس. وتذهب بعض التحليلات إلى القول إن كتلة التيار العوني التي يفترض أن تعبر عن قوة الرئيس ميشال عون وعن شعارات “الرئيس القوي” و”لبنان القوي” هي أقل من حجمها حين كان عون خارج قصر بعبدا وبعيدا عن السلطة.

ويجمع الخبراء على أن كتلة تيار المستقبل، التي ستحتل المركز الثالث داخل مجلس النواب بعد الثنائية الشيعية والتيار الوطني الحر، تلقت نكسة حقيقية وجب دراستها وتقييم أسبابها.

ويقول الخبراء إن كتلة “المستقبل” وحلفائه تصل في البرلمان الحالي إلى 34 نائبا وأنه كان متوقعا أن تنخفض هذه الكتلة بسبب قانون الانتخابات إلى حجم يتراوح ما بين 20 و25 نائبا. إلا أن انخفاض هذا العدد إلى 21 نائبا فقط يطرح أسئلة حول سبب عزوف الناخبين، بما في ذلك السنة، عن التحرك لإنعاش تيار الحريري الذي تلقى هزات كبرى منذ الانقلاب الذي قاده حزب الله ضد حكومة سعد الحريري عام 2011، مرورا بنفيه خارج البلاد لمدة خمس سنوات، انتهاء بمسألة استقالته الملتبسة في نوفمبر الماضي.

 وعلى الرغم من أن خيارات الحريري السياسية لجهة ترشيح سليمان فرنجية، صديق بشار الأسد الشخصي، ثم ترشيح ميشال عون، حليف حزب الله المخلص، لرئاسة الجمهورية، ثم الابتعاد عن مكونات داخل 14 آذار، لا سيما “القوات”، مقابل المراهنة على تحالف مع التيار العوني، قد تكون مسؤولة عن تراجع شعبية “المستقبل” الانتخابية، إلا أن بعض الآراء تدعو إلى عدم التسرّع في الحكم وتدعو إلى تأمل التحولات التي طرأت على مزاج ناخبي “المستقبل” منذ عام 2005 وحتى الآن.

جمانة حداد: الانتخابات شهدت بروز تيار عريض من المجتمع المدني نجح في الدفع بوجوه جديدة ومختلفة في الساحة البرلمانية منها الكاتبة جومانا حداد
وعلى الرغم من أن البرلمان الجديد سيشهد دخول شخصيات سنية مناوئة لتيار المستقبل، إلا أن ذلك لن يهدد زعامة سعد الحريري وحظوظه في العودة إلى تشكيل الحكومة.

ويلفت المراقبون في هذا الصدد إلى أن الخطاب السياسي لحزب الكتائب بزعامة سامي الجميل والمتناقض مع خطاب المستقبل في السياسة كما في الأداء الحكومي، لم يتح للحزب تحقيق أي نصر، لا بل إن كتلة “الكتائب” قد تقلصت داخل البرلمان الجديد مقارنة بثبات “التيار العوني” وصعود “القوات”.

لكن الانتخابات الأخيرة شهدت بروز تيار عريض من المجتمع المدني شارك في الانتخابات في مناطق عدة. وشاركت الإعلامية بولا يعقوبيان والكاتبة جومانا حداد، من خلال لوائح “كلنا وطني”. وأعلن عن فوزهما، قبل التراحع وإعادة النظر في فوز جمانة حداد الذي مازال محل جدل.

تمكن المجتمع المدني من إيصال نائبين إلى الندوة البرلمانية على الرغم من تكاتف كافة التيارات السياسية التقليدية الكبرى على محاصرته. وأعادت منطقة الأشرفية التي منحت لائحة “بيروت مدينتي” التي تنتمي للمجتمع المدني أعلى حجم من الأصوات في الانتخابات البلدية الأخيرة، تأكيد خيارها في هذا الصدد من خلال الدفع بمرشحتين إلى داخل مجلس النواب الجديد.

وتمكن وليد جنبلاط من خلال الكتلة الجديدة التي سيترأسها نجله تيمور من تأكيد زعامته الدرزية، كما أن سليمان فرنجية تمكن بدوره من خلال فوز نجله طوني وأسماء أخرى على لوائحه من تأكيد وزنه المسيحي في شمال لبنان بما يتيح له ولجبران باسيل ولسمير جعجع التمتع بشرعية مسيحية للترشح إلى الانتخابات الرئاسية بعد أربع سنوات.

التحالفات السياسية
يدعو المراقبون إلى عدم قراءة نتائج الانتخابات قراءة تبسيطية في بلد لا يمكن لأغلبية أن تحكم لوحدها أو تفرض خياراتها من خلال حجمها البرلماني. ورأى هؤلاء أن قوة وضعف حزب الله مرتبطان بالتحالفات السياسية التي سينجح في نسجها حوله كما بالتحالفات السياسية التي ستنسج ضده.

ويستفيد حزب الله مستفيد من تشتت القوى المناوئه له داخل تحالف 14 آذار الذي لم يعد موجودا بشكل عملي، كما من ضبابية المواقف الإقليمية ومن التباس الموقف الدولي العام حيال مستقبل التسوية في سوريا وطموحات إيران في دول المنطقة.

ورأى مراقبون أن وضوح الرؤية الخارجية حيال دمشق وطهران والموقف من ميليشيات إيران، لا سيما حزب الله، سيعطي إشارة قوية إلى فرقاء الداخل في لبنان تعيد الاصطفافات في لبنان على نحو يحيل نتائج الانتخابات إلى تفصيل في سياق أكبر وأكثر شمولا.

وارتفاع الضجيج الإقليمي إلى درجة الحديث عن حرب كبرى ممكنة يحيل البرلمان الجديد إلى تفصيل تراقبه عواصم العالم داخل مشهد معقد تجري مقاربته بدقة عشية قرارات كبرى قد تنجم عن أي موقف سيتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن موقع بلاده من الاتفاق النووي مع إيران.