تابع المسؤول الأميركي نفسه، الذي تعاطى مع قضايا لبنانيّة وأخرى إسرائيليّة – فلسطينيّة ثم انطلق إلى مجال الأبحاث، جوابه عن احتمال شنّ إسرائيل حرباً على لبنان، قال: “أعتقد أن السيد حسن نصرالله يرى أنه من الأفضل عدم “التحركش” بإسرائيل الآن. ورأيي أن بنيامين نتنياهو رئيس وزرائها لن يشنّ حرباً طاحنة كالّتي يُهدّد بها لبنان زعماء كثيرون في بلاده أو كالّتي يخاف منها اللبنانيّون. فهو أثبت أنه حريص على مصالحه، وأنه “حيسوب” ولا يُحبّ الإقدام على “مخاطرات” وعلى مناورات غير محسوبة بدقّة، مثلما فعل سلفه أولمرت عام 2006.

هناك الآن تحقيق جارٍ معه بشبهة فساد وما إلى ذلك. وإذا أُقصي عن الحكومة بسبب هذا الأمر فإن بيليد أو ليبرمان قد يكون خلفه في رئاسة الحكومة. والإثنان قد يُقدمان على شنّ الحرب على لبنان. على كلٍّ لننتظر إمّا بقاءه في السلطة أو رحيله عنها. أمّا إذا أُجريت انتخابات عامّة فإنّه قد يفوز فيها. طبعاً لا يمكن تفادي الحرب إذا حصل تطوّر مفاجئ وغير محسوب من قبل حزب الله كما حصل عام 2006، أي اختطاف مقاتلين من الحزب جنوداً إسرائيليّين من داخل حدود بلادهم قُتل بعضهم فوراً وقضى الآخرون بعد ذلك جرّاء جروح الاشتباك الذي حصل في أثناء خطفهم. يومها قال نصرالله: “لو كنت أعلم لما اتّخذت قرار الحرب”.

والدوائر الرسميّة اللبنانيّة كانت تؤكّد استناداً إلى معلوماتها أنّه لم يكن على علم بقرار الخطف المُشار إليها ولذلك قال: “لو كنت أعلم…”. لكنّه تخلّى بعد ذلك عن هذه المقولة وبدأ يقول أن الحزب واجه حرباً إسرائيليّة مُتعمّدة، وأنه حقّق فيها انتصاراً مُهمّاً وإن سلبيّاً بمعنى أنه منع إسرائيل من تحقيق أهدافها منها وأبرزها القضاء عليه في صورة نهائيّة”. سألتُ: هل تعرف شيئاً عن المفاوضات أو المباحثات التي أجراها المُكلّف الأميركي الرسمي فريدريك هوف في لبنان وإسرائيل عن النفط والغاز الموجود في مياهه الإقليميّة تمهيداً لاستغلالهما، واستعمال عائداتهما لحلّ الأزمة الاقتصاديّة في لبنان وحلّ مسألة ديونه المتراكمة التي قاربت الـ 85 مليار دولار أميركي؟ أجاب: “كان ملف ما عرف بـ”خط هوف” أي الذي رسمه بعد مفاوضاته الشاقّة لبنانيّاً وإسرائيل في عهدة جاريد كوشنِر صهر ترامب ومستشاره منذ وصوله إلى رئاسة الولايات المتحّدة، لكنّه أعطاه بعد ذلك الى رِكس تيلرسون وزير الخارجيّة. والأخير كلّف الديبلوماسي السابق الذي خدم في لبنان مرّات عدّة كان سفيراً في آخرها ديفيد ساترفيلد، بعد عودته إلى الخارجيّة مساعداً موقّتاً (Acting) لوزيرها، التعاطي مع هذا الملف. ولهذا السبب زار بيروت مرّتين وكذلك إسرائيل.

ديفيد ديبلوماسي محترف وجيّد وجدّي وعميق وصاحب خبرة. لكن تيلرسون استقال أو أُقيل بعد الجولة المُشار إليها التي قام بها ساترفيلد بين لبنان وإسرائيل. كيف سيُؤثّر ذلك عليه أو على الملف لا أعرف. لكن ما أعرفه هو أنّه اجتمع مع “هوف” الذي أطلعه على كامل الملفّ من ألفِه إلى يائه. وقال له إن الخط البحري الذي اقترحه على لبنان وإسرائيل بعد عمل جدّي استشار خلاله فنيّين مُحترفين، يُعطي الأّوّل 50 في المئة وليس 60 في المئة كما يقول لبنانيّون والثانية 45 في المئة، وليس 40 كما يقول هؤلاء أيضاً. وقال له أيضاً إن الاسرائيليّين لم يكونوا مبسوطين من العرض أو مُرتاحين له. إذ أبلغوا إليه أنّهم كانوا يتوقّعون أن تُعطيهم أميركا 50 في المئة على الأقل إن لم يكن أكثر. لكن في نهاية المطاف أكّدوا لـ”هوف”: نحن نمشي بهذا العرض. لكن لن نُعلن ذلك إلّا إذا لمسنا أو بالأحرى حصلنا على موافقة رسميّة لبنانيّة وغير رسميّة. والمقصود بذلك كان موافقة “حزب الله”. وإذا مشي الحال ننطلق للبحث في الخطّ الأزرق فنقاط الاختلاف وقرية الغجر ومزارع شبعا”.

ماذا قال “هوف” لـ”ساترفيلد” أيضاً؟ سألتُ. أجاب: “أطلعه أنه عاد إلى لبنان والتقى رئيس حكومته في ذلك الوقت “الذكي” الذي يُجيد التعامل مع نصرالله” ومع كل الأطراف نجيب ميقاتي. وأطلعه على “الحصيلة” فنصحه الأخير باطلاع المعارضة في حينه المتمثّلة بـ”الرئيسين” فؤاد السنيورة وسعد الحريري على ما توصّل إليه. لم يكن الثاني مُتحمّساً. أمّا الأوّل فقال: “قُمتَ بعمل جيّد جدّاً، نُهنّئك عليه. لكن عليك إشراك الأمم المتّحدة في ذلك. أجابه “هوف”: ذلك مستحيل، إذ لن تقبله إسرائيل. أصرّ السنيورة. فطرح “هوف” قيام موفد الأمين العام للأمم المتّحدة إلى لبنان بإعلان الاتّفاق ودعمه، لكن المعارضة رفضت. حتّى الموالاة لم تعرف التعاطي مع “العرض”. فجبران باسيل رفض مُتمسّكاً بالحدود الدوليّة. فنصحه “هوف” بعدم استعمال هاتين الكلمتين إذ تعنيان وجود حدود دوليّة بين لبنان وإسرائيل وأنّهما في حال سلام. رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي كان من أكثر وأهمّ المتعاونين مع هوف (Collaborators). في ذلك الوقت اقترح جيفري فيلتمان السفير السابق في لبنان ومساعد الأمين العام للأمم المتّحدة في حينه (غادر منصبه مُتقاعداً قبل أسابيع قليلة) أن يعمل “هوف” مستشاراً رسميّا لديه مدّة 60 يوماً، وأن يتحرّك بهذه الصفة بين لبنان وإسرائيل لحلّ مسألة “الخطّ البحري”. لكنّه لم يوافق”.