في المبدأ، تكسب الانتخابات النيابية بعض الاهمية وبعض المصداقية، فقط إذا ما جرت في موعدها التالي بعد أربع سنوات، أو بتعبير آخر إذا ما إلتزم النواب المنتخبون الآن بعدم التمديد  لأنفسهم تحت أي ظرف . مثل هذا التعهد او ذاك الوعد الانتخابي الذي غاب عن بال المرشحين، وسقط سهواً من حساب الناخبين، كان يمكن إنتزاعه بسهولة ..برغم أنه كان يمكن ان يشكل مكسباً جوهرياً  ل"الديموقراطية اللبنانية"، ويعوض رداءة النقاش الانتخابي الاخير  وضحالته بل وإنحطاطه في بعض الدوائر.  

عدا ذلك، تفقد الانتخابات الراهنة المزيد من قيمتها السياسية، وتبقى مجرد مناسبة إجتماعية، بادر إليها  أهل السلطة، مشكورين، لأنهم لم يختاروا التمديد للبرلمان مرة ثالثة، ولأنهم إستجابوا، ولو بشكل موارب، لنداء النسبية الذي كان يلح ويضغط على الجميع..ولأنهم رفعوا من شأن صراعاتهم وخلافاتهم ونكاياتهم الداخلية ، فإستفاد الجمهور الناخب، والجمهور المقاطع، وتحمس الجانبان للمشاركة او للمشاهدة والمتابعة، لواحدة من أقسى التصفيات السياسية بين أعضاء النادي السياسي اللبناني.

صحيح أن هذه التصفيات بلغت في معظم الاحيان حد رفع خطوط التماس بين الطوائف والمذاهب، لكن الكلام في هذه الظاهرة مملٌ ومنافٍ للواقع، يجوز أن يصدر عن مستشرقين، ولا يمكن قبوله من أي إبن بلد حقيقي، يعرف ان الانتخابات الحالية تقررت لأن الطوائف والمذاهب كانت في العمق تريد تحطيم بعضها البعض ، وتود قياس أحجام بعضها البعض، وتريد البرهنة على قوة ونفوذ كل منها.  وهي لم تتفاهم ، بعد طول جدل، على قانون إنتخابي مشوه، إلا لتحقيق هذا الغرض بالتحديد.

المعركة طاحنة، ذات طابع وطني، وذات وظيفة عامة. لكن التدقيق في طبيعة المجلس المنتخب، وفي مهمته، وفي حصته في عملية "صنع القرار الوطني"، لا تدع مجالا للشك في أن الانتخابات النيابية(التشريعية) هي أقرب ما تكون الى إنتخابات بلدية، محلية، تدور بين أقطاب الطوائف وأمراء المذاهب ، على تشكيل مجلس بلدية لبناني، لا مجلس نيابياً يحدد الخيارات السياسية و الاقتصادية الوطنية، وينظم ويراقب عمل الدولة ومؤسساتها، ويساهم في التناوب على السلطة.

جميع المرشحين  وجميع الناخبين من دون إستثناء، يعرفون جيداً ، أنه مهما كانت نتائج تلك المعركة البلدية الطاحنة، فإنها لن تغير  جوهر عملية "صنع القرار الوطني" ، التي كانت وستبقى محصورة في عدد من الغرف المغلقة والمصغرة، التي تقع على مقربة من مقرات الرئاسات الثلاث، والتي تجري في داخلها  التفاهمات والصفقات الفعلية قبل عرضها بصيغتها النهائية على المجلسين، النيابي والوزاري، للمصادقة عليها، ومن دون نقاش في معظم الاحيان.

أيضا، هذا كلام مكرر . لم يكن مطلوباً ولا كان متوقعاً ان تدور المعركة على عناوين سياسية مهمة مثل الحرب في سوريا ، وهي شأن داخلي لبناني، بقدر ما هي صراع يعكس ملامح حرب عالمية ثالثة.  أو مثل الاستراتيجية الدفاعية تجاه العدو الاسرائيلي، او الاستراتيجية الهجومية تجاه إيران، او مثل الاحلاف السياسية التي تعرض على لبنان من قبل الاميركيين او الروس او الايرانيين أو الخليجيين.. لكنه كان يفضل ان يتبادل المرشحون والناخبون الاتهامات بالعمالة لأي طرف خارجي، بدل أن يتبادلوا الاشارات المستوحاة من الحرب الاهلية وبشاعاتها وخلاصاتها غير المحسومة حتى الآن كما هو واضح من اللغة الانتخابية السائدة.

المهم الآن ان تجري الانتخابات، بدل ان يحصل التمديد، وان تقاس موازين القوى بين الطوائف والمذاهب، وداخل كل طائفة ومذهب، وأن يختبر الجيل الجديد، ظاهرة واعدة فعلا، هي المجتمع المدني، الذي لا يزال يخطو خطواته الاولى على درب الجلجلة، والذي يمثل الأمل الوحيد بأن لبنان يمكن ان يتطور ..شرط أن تجري الانتخابات المقبلة  في موعدها المحدد، يوم الاحد الاول من شهر أيار مايو من العام 2022.