أحاطت الخروق الانتخابية والهواجس من تدني نسبة التصويت، بالمشهد الانتخابي الذي انطلق صباح أمس في كل المناطق اللبنانية، لانتخاب برلمان جديد، هو الأول منذ عام 2009، ضمن جو أمني توتر قبل إقفال صناديق الاقتراع عصر أمس، ومنافسة أعطت أفضلية للأحزاب والقوى السياسية على حساب مرشحي المجتمع المدني.
وبعد أجواء هادئة أحاطت بالعملية الانتخابية منذ الصباح، انقلب المشهد في فترة بعد الظهر قبل ساعة من إقفال صناديق الاقتراع، حيث وقع إشكال كبير بالقرب من ثانوية عمر فروخ في الطريق الجديدة، بين مناصرين من «تيار المستقبل» وآخرين من «حزب الله»، وتدخل الجيش اللبناني والقوى الأمنية لضبط الوضع.
وفي صيدا، وقع إشكال بين الجماعة الإسلامية والتنظيم الشعبي الناصري، حيث تمّ استخدام العصي أمام أحد مراكز الاقتراع، فيما اندلع إشكال في الشويفات في أحد أقلام الاقتراع تطور إلى تضارب في الأيدي، ما أدّى إلى تكسير صندوق الاقتراع وتطاير الأوراق منه.
وفي زحلة (شرق لبنان)، وقع إشكال بين مناصري القوات اللبنانية وموكب رئيسة الكتلة الشعبية المرشحة ميريام سكاف تخللته مواجهات بالعصي. وفي مؤتمر صحافي، أوضحت سكاف أن «الاعتداءات من عناصر القوات على بيوت عناصرها ومكاتبها بدأت منذ صباح اليوم»، فيما تحدثت وسائل إعلام محلية عن سقوط جرحى في صفوف عناصر «القوات» نقلوا إلى مستشفى تل شيحا.
ومثّل تدني نسبة الاقتراع، أبلغ العقبات التي أحاطت بالانتخابات، حيث لامست في فترة بعد الظهر 50 في المائة، رغم تدنيها في المدن الرئيسية إلى نحو 32 في المائة، وارتفاعها في القرى والأطراف. وحاول المسؤولون اللبنانيون، بينهم رئيسا الجمهورية والحكومة، أن يدفعوا لزيادة نسبة الاقتراع، ودعا ممثلو القوى السياسية، المناصرين والناخبين، إلى الاقتراع بكثافة، مع تدني نسبة التصويت، رغم أنه قد سُجّل بطء في العملية التي وصلت إلى 7 دقائق للمقترع الواحد، ما دفع بعض القوى لمطالبة وزارة الداخلية بتمديد مهلة الاقتراع إلى ما بعد السابعة مساء، وهو أمر مستحيل قانوناً، تم التعويض عنه باقتراع من داخل أقلام الاقتراع قبل موعد إقفال الصناديق في السابعة مساء.
ووجّه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نداءً إلى اللبنانيين دعاهم فيه إلى ممارسة حقهم في الاقتراع والإقبال على التصويت، في خلال ما تبّقى من وقت قبل إقفال صناديق الاقتراع. وإذ أشار إلى أنه «تفاجأ بضعف الإقبال على ممارسة الحق الانتخابي»، توجه للبنانيين بالقول: «إذا كنتم بالفعل راغبين في حصول تغيير وتبديل، والوصول إلى حكم جديد ونهج جديد، فإن عليكم أن تمارسوا هذا الحق. لا يجوز أن تتركوا هذه الفرصة مع وجود قانون جديد يسمح للجميع بالوصول إلى الندوة البرلمانية». وقال إن «الوقت لا يزال متاحاً، وإنني آمل منكم أن تقترعوا. وإذا كنتم موجودين داخل أقلام الاقتراع، فسيتم تمديد الوقت لكي يتمكّن الجميع من التصويت».
ومثّل تدني نسبة الاقتراع، أزمة حقيقية بالنسبة للكتل السياسية التي عولت على الاقتراع بكثافة، بهدف تخفيض حظوظ المنافسين، في قانون يعتمد نظام الاقتراع النسبي لأول مرة في تاريخ لبنان. وظهرت الخيبة عند كثير من ممثلي الكتل السياسية الذين ترددوا في إعطاء نسب الاقتراع، حتى عصر أمس، معولين على زيادتها في فترة بعض الظهر.
وقال وزير الداخلية الأسبق مروان شربل، إن تدني نسبة الاقتراع هذه المرة «ليس طبيعياً»، مشيراً إلى أن تدنيها بهذا الشكل «يحصل لأول مرة»، متوقفاً عند تدني نسبتها في المدن، وارتفاعها في الأطراف. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعرف لماذا يحجم اللبنانيون عن التصويت، علماً أن أزماتهم كثيرة، ويتأففون من تدني مستوى الخدمات، وهي المرة الأولى التي ينتخبون فيها وفق قانون جديد سيتم تعديله في المرة المقبلة». وقال: «هذه فرصة للتعبير عن رأيهم وتحقيق التغيير المناسب، ولا يمكن اعتبار الأمر إحباطاً، بقدر ما هو لا مبالاة»، معرباً عن قناعته «لأن يكون التصويت إجبارياً، لأنه واجب وطني، ويحدد مستقبل البلد كل 4 سنوات».
وقال إن تدني نسبة التصويت في المدن «يعود إلى أن معظم سكانها بسبب غلاء أسعار العقارات يقطنون خارجها، ولا يكترثون لممثليها»، بينما ترتفع النسبة في الأطراف «بسبب وجود السكان فيها، ودفع الأحزاب تجاه التصويت». وقال: «أنا من المؤيدين لاعتماد البطاقة الممغنطة والميغاسنتر لرفع نسب التصويت».
وتوقف وزير الداخلية نهاد المشنوق عند العوائق اللوجيستية، ففي حين أعلن أن «الأجواء هادئة ومريحة»، اعترف بتقصير الدولة تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة، كما اعتبر أن «التباطؤ في عملية الانتخاب سببه عدم وجود خبرة كافية للمسؤولين في التعامل مع هذا القانون».