"تأكد أنك متصل بخدمة البيانات"... "connecting"... "عزيزي المشترك لقد تجاوزت الحد الشهري لباقة الانترنت"... مَن من اللبنانيين لم تزف له عاملة الهاتف الالكتروني في شبكة الاتصالات التي يتعامل معها خبراً من هذا النوع؟ مَن لم يشتم وزارة الاتصالات لفقدانه اتصالاً هاماً بسبب رداءة الانترنت؟ ومَن من اللبنانيين لا تُشكل فاتورة الانترنت كابوسا شهريا له؟ ناهيك عن الخصوصية المنتهكة من الأجهزة الأمنية، وحدث ولا حرج عن الآراء المصادرة أمنياً وإن كانت تعبّر عن الرأي الشخصي ومِن على المنبر الخاص (مواقع التواصل الاجتماعي).

عن هذا الواقع وأكثر، أطلقت مؤسسة مهارات تقرير "حرية الانترنت في لبنان-2018"، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، وهي دراسة ترمي من خلالها إلى مراجعة واقع هذه الحرية لناحية تأمين الوصول إلى الإنترنت، حماية حرية التعبير وتداول المعلومات على الانترنت، وحماية الخصوصية، وحوكمة الانترنت.
يُظهر التقرير أن تأمين الوصول الى الانترنت لناحية الجودة والسرعة مرتبط ببنى تحتية غير مكتملة وعدم وجود سياسة واضحة لوزارة الاتصالات التي تتبدل أولوياتها مع تغيير شخص الوزير.
وخُفضت أسعار خدمة الانترنت في لبنان وتحسنت السرعة إلا إن السرعة الجيدة لا زالت تتركز في مناطق من العاصمة ولا ترقى في الغالب إلى السرعات المعتمدة في المؤشرات العالمية. ويعود ذلك إلى التأخر في تنفيذ مد شبكة الالياف الضوئية الذي تبدل موعد الانتهاء منها من نهاية سنة 2019 الى أواخر 2022، تاريخ انتهاء أعمال تمديد الشبكة من الشركات الملزمة، وفق ما أعلن مدير عام أوجيرو عماد كريدية. بالإضافة إلى تضارب في المهام بين وزارة الاتصالات وهيئة اوجيرو، والخلاف على الصلاحيات وقانونية تلزيم وزارة الاتصالات مد الشبكة إلى شركات خاصة. 
وأثر في موضوع "تأمين الوصول إلى الانترنت" غياب سياسة عامة واضحة، لا سيما لجهة تطبيق قانون تنظيم قطاع خدمات الاتصالات على الأراضي اللبنانية رقم 431 للعام 2002 وعدم اعتماد خطة طويلة الأمد لتنمية القطاع تنتقل من وزير إلى آخر. فضلا عن أن خطة الانتقال من البث التماثلي إلى البث الرقمي لم تنفذ بعد، بحسب التقرير.

أما حرية التعبير وتداول المعلومات على الانترنت لا تزال تتراوح مكانها، إذ لم يتم اعتماد التشريعات اللازمة لتأمين حماية حرية التعبير وتداول المعلومات على الانترنت، مع استمرار ملاحقة الناشطين والصحافيين والمواطنين على خلفية تعبيرهم عن رأيهم. ولم يقر المجلس النيابي بعد قانون الإعلام الذي تقدمت به مهارات مع النائب غسان مخيبر والذي يضمن حرية التعبير على الانترنت للجميع.
كما لم يقر مشروع قانون الإعلام الذي يضمن حرية الانترنت كحق أساسي لكل مواطن، إذ لا يوجد قانون يحمي الناشطين وحرية التعبير بواسطة الانترنت على غرار قانون المطبوعات الذي يؤمن حماية جزئية للصحافيين المسجلين في الجدول النقابي للصحافة من التوقيف الاحتياطي والخضوع للتحقيق في مخافر الشرطة.
ويذكر التقرير بعض الانتهاكات لحرية التعبير عبر الانترنت وذلك خلال عامي 2016 و2017 ومنها: مصطفى سبيتي، وفراس بو حاطوم، وزياد عيتاني، وعباس زهري، وطارق أبو صالح، وهنادي جرجس، ومحمد علوش، وباسل الأمين، ويوسف كليب، وفداء عيتاني، وجورج قزي، ونبيل الحلبي.
يبقى هاجس الخصوصية الالكترونية غائباً أو مهملاً بالنسبة للسلطات اللبنانية، إذ غابت المساءلة السياسية والتشريعية والقضائية لملف محاولة اختراق بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية لبيانات ومعلومات عدد كبير من المواطنين الذين يستخدمون الانترنت. كما لم يتم إقرار اقتراح قانون المعاملات الإلكترونية وحماية البيانات الشخصية الذي ما زال قيد المناقشة في اللجان النيابية.
ويُسجل في مجال حوكمة الانترنت تشكيل اللجنة الاستشارية لأصحاب المصلحة المتعددين لتنظيم المنتدى اللبناني الأول لحوكمة الانترنت عام 2017. ويعد تشكيل هذه اللجنة خطوة إيجابية تضع لبنان على الخريطة العالمية للحوكمة إذا ما نجحت اللجنة بتنظيم المنتدى الأول المنتظر في خريف 2018. في حين تضمن اقتراح قانون المعاملات الإلكترونية نصوصا تتعلق بإدارة أسماء النطاقات من قبل أصحاب المصلحة، ما يُعدّ خطوة إيجابية نحو حوكمة الانترنت من أصحاب المصلحة المتعددين، في حال أقِر القانون المقترَح، وفقاً لمهارات.