أمّا وقد دخلت البلاد عند الساعة صفر من صباح اليوم مرحلة الصمت الانتخابي يمكن للمراجع المعنيّة بالملف الإنتخابي تقويمُ المرحلة التي سبقت والتوقف عند بعض المحطات الأساسية لاستشراف المقبلة منها، وأوّلها العملية الانتخابية التي ستجري بين السابعة من صباح غد ومسائه. فما هو المتوقع إذا توقفنا عند حجم الشوائب التي عبرت وهل يمكن أن تتكرّر؟!
 

لمجرد الإشارة الى التجارب التي شهدتها المحطات السابقة والتي تشبه العملية الإنتخابية المنتظرة غداً لا يمكن تجاهلُ بعض التجارب التي عبرت، ومنها على سبيل المثال لا الحصر العملية الإنتخابية التي جرت يوم الخميس الماضي لرؤساء الأقلام ومساعديهم والتي شارك فيها حوالى 14816 مدرّساً ثانوياً وموظفاً سيشرفون على ادارة 7000 مركز منتشرين على الأراضي اللبنانية دفعة واحدة وتجمع ما يقارب 1800 قلم انتخابي بعد التجارب التي سبقتها والتي رافقت الإنتخاب في اقلام بلدان الإنتشار العربية والاوروبية والأميركية.

وبمعزل عن الأخطاء الشكلية والإدارية التي تمّت معالجتها بمجرد مراجعة المعنيين في الإدارة المركزية للإنتخابات على المستويات الدبلوماسية منها والإدارية. وإن كان بعضٌ منها يمكن معالجته يوم الانتخاب وبأسرع وقت ممكن فإنّ تكرارَ البعض منها سيزيد من نسبة الطعون الدستورية المتوقعة امام المجلس الدستوري فور الإنتهاء من العملية الإنتخابية واعلان النتائج ما يمكن أن يؤدّي الى ابطال انتخاب البعض والتشكيك بصدقية انتخاب آخرين ولو فازوا بمقاعدهم لمجرد عدم ابطال أيٍّ منها.

فإلى الشوائب التي رافقت انتخابات المغتربين والتي استحوذت على جزء من جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي وما رافقها من انتقادات وجدل بين بعض الوزراء بين محورَي «القوات اللبنانية» و»أمل» من جهة و»التيار الوطني الحر» من جهة أخرى فإنّ ما تلاها من مخالفات في الانتخابات التي جرت على مستوى رؤساء الأقلام ومساعديهم ينبئ باحتمال أن نشهد في انتخابات الغد على مخالفات مماثلة لا تُحصى ولا تُعد.

فالبعض المؤهّل لارتكاب مثل هذه المخالفات والتصرّف فوق ما تقول به القوانين يتمتع مسبقاً بحصانة امنية وسياسية وحزبية تؤهّله للتدخل لدى المراجع المعنية بالإنتخابات في بعض المناطق التي تشهد انتخابات مفصلية حامية كالمتن الشمالي مثلاً، ويمكنها عندها أن تؤثر في تغيير الوقائع وتجاوز المخالفات لمحوها وربما تحويلها الى انتصار، وتكريس أمر واقع جديد تحت شعارات فضفاضة عدة حفلت بها الحملات الإنتخابية وشهدت عليها ممارسات شاذة كتلك التي شهدها المتن الشمالي وعبرت دون أن يحاسب عليها أيّ جهاز إداري أو أمني أو قضائي.

إلّا أنها في النتيجة الحتمية ستنتقل لتدون بفعل آلية العملية الإنتخابية لتكون مادة في التقرير النهائي الذي سترفعه هيئة الإشراف على الإنتخابات الى كل من رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي والحكومة والمجلس الدستوري. ولذلك يرى المراقبون انّ مثل هذه المخالفات هي حالات ستفرض نفسها على المجلس عند النظر في أيّ طعن يتقدم به مرشح متضرّر امامه، ففي الكثير منها ما يشكل مادةً لطعن أخلاقي وسياسي قبل أن يكون ادارياً أو دستورياً إذا ما تماهت بعض المراجع الأمنية والقضائية مع فريق دون آخر لتجاوز المخالفات المرتكبة والإفادة ممّا أنتجته من رفعٍ للحاصل الإنتخابي وزيادة الأصوات التفضيلية.

وتأسيساً على ما تقدّم، عليه فقد توجّهت الأنظار الى التقرير المسهب والمفصّل الذي اصدرته الجمعية اللبنانية لمراقبة العملية الانتخابية (لادي) والذي تضمّن عشرات الملاحظات والمخالفات التي رصدها مندوبوها في مراكز الإقتراع خلال يوم الاقتراع الخاص بهيئات القلم.

ومن ابرز ما سجّلته عدم معرفة بعض الناخبين، وهم في هذه الحالة من رؤساء أقلام ومساعديهم من الكتبة، لتفاصيل قانون الانتخاب وآلية تطبيقه. كما برز في بعض الأحيان تحيّزُ البعض منهم لأحزاب سياسية وتيارات معيّنة أصرّت على مخالفة ابسط قواعد الإنتخاب بعدم استخدام العازل والتصويت من خارجه.

كما رُصدت ماكينات انتخابية عملت على نقلهم من مواقع عملهم الى مراكز الإقتراع وإدارة العملية الإنتخابية من ألفها الى يائها غير آبهة بأدوار مَن يتولّون لعبَ دور رؤساء الأقلام وتجاوزت ألآليات الرسمية للمراجعة بأيّ خلل أو مخالفة مباشرة بالتحدّث إلى المحافظين مثلاً دون العودة الى مراجع ادنى مستوى منها قبل بلوغ مرحلة التعاطي مع المحافظين أو المديرين العامين ووزير الداخلية أو أيّ مرجعٍ أمنيٍّ عالٍ قبل مراجعة قادة القطعات الإقليمية وهو ما يدلّ على الإفراط في استخدام ادوات السلطة لتحويلها «الخصم والحكم» في آن واحد.

وذخر تقريرُ الجمعية بمخالفات إدارية «فاقعة» و»نافرة» لمخالفات ارتُكبت مثلاً في أقلام قائمقامية جديدة المتن، وسجّلت منها إقدام الناخبين والناخبات من كتاب مساعدين ورؤساء أقلام عى تأدية التحية الى مندوبي الأحزاب بعد التعريف عن أنفسهم. تزامناً مع حالات اقتراع خارج العازل وعدم إلمام المنتخبين بعملية الاقتراع وآليّتها ما أدى الى تدخّل مندوبي الأحزاب والتيارات لشرح آلية الاقتراع بعد تجاوز أدوار من كلّفوا بإدارة القلم.

ومن المشاهدات التي تناولها التقرير يجدر التوقف عند ما شهدته قائمقامية جديدة المتن ايضاً وتحديداً في القلم «رقم 1» لجهة وضعيّة المعزل الذي لا يضمن سرّية الاقتراع بشكل مضمون وتدخّل مندوبي التيارات والأحزاب للتدقيق في الأخطاء المرتكية والتدخّل في كيفية الاقتراع بالقسيمة المطبوعة سلفاً وهي مهمة أُنيطت برئيس القلم دون غيره. كما لوحظ أنّ القلم كان في الطابق السادس من السراي وهو ما حال دون مشاركة بعض الناخبات والناخبين لأنه لم يكن هناك مصعد للإنتقال الى القلم.

قد يعتقد البعض أنّ مثل هذه المخالفات سخيف وشكلي وسطحي لكن وفي ظلّ الأجواء المتوترة قد يتسبّب بإشكالات امنية قبل أن تكون إدارية. وتبقى العملية الإنتخابية بغنى عنها لإتمامها في افضل الشروط المناسبة لمختلف الأطراف والسعي الى عدم إثارة البلبلة والقلاقل التي قد تنعكس على نفسيّة الناخب وتتسبّب بتوير أمني قد يرغب به البعض لتقليص نسبة الإقتراع.

والى المخالفات الإدارية واللوجستية والتي يمكن أن تتطوّر لتمسّ العملية الإنتخابية في جوهرها تبقى الإشارة ضرورية الى أنّ دخول البلاد منذ فجر اليوم مرحلة «الصمت الإنتخابي» تبدو غير كافية لإراحة اللبنانيين من مسلسل الضغوط الذي يتعرّضون له. فالمخاطر الأمنية التي شهدت بيروت نماذج متفرّقة منها في الساعات الماضية والتي تسبَّب بها الخطاب الحاد ومحاولات شدّ العصب الانتخابي شكلت أولى الإشارات السلبية التي يمكن أن تشهدها بعض المناطق الحساسة والتي احتسبت لها القوى الأمنية بتدابير خاصة ستنفّذ في مناطق تمّت الإشارة لها بنقاط «حمراء».

وفي النتيجة لا بد من الإشارة الى أنّ كل ما جرى يفرض إعادة النظر بمرحلة «الصمت الإنتخابي» لتكون أطول ممّا هي عليه اليوم. فقد جاءت «متأخرة» من دون أيِّ مبرّر سوى القول إنّ الامر منوط بالسلطة التي دأبت على تقديم مصالحها الانتخابية على ما عداها من القوى الأخرى اينما كانت مواقعها وهو امر يدفع الى القول: «لم يكن بالإمكان افضل ممّا كان» إذا لم تنشأ سلطة او هيئة محايدة تدير العملية الإنتخابية بمعزل عن قوى السلطة وتكون لها الكلمة الفصل في كل ما يتصل بالعملية الإنتخابية من ألفها الى يائها.