كانت المملكة المغربية آخر الدول العربية التي ما عادت تستطيع صبراً على التدخل الإيراني في شؤونها. فقد أعلن المغرب عن قطع علاقاته مع إيران، بعد عودة وزير خارجيته من طهران، واجتماعه بوزير الخارجية الإيراني ظريف. وما أُحيطت الزيارة الرسمية المغربية بإعلامٍ بارز، وإنما فهم المراقبون من بيروت يوم الاثنين الماضي، أنّ الأمر يتعلق بأدلة قوية لدى المغرب، عن تعاوُنٍ قديمٍ وجديدٍ لـ«حزب الله» مع «البوليساريو» في مجالات التدريب والتسليح والاستخبارات. وكان المغرب قد قطع علاقاته بإيران عام 2008، بسبب علاقة المركز الثقافي الإيراني بتشييع المغاربة، ثم أعادها فيما بعد.
إنّ المهمَّ أنّ الإيرانيين وذراعهم الطولى «حزب الله»، يتقصدون التدخل في كل دول وبلدان العالمين العربي والإسلامي. فإذا لم تكن بالبلاد أقلية شيعية، فيكون التدخل سياسياً وثقافياً بقصد التأثير وإثارة الحساسيات والمشكلات إذا اقتضت الحاجة. وبخاصة إذا كانت سياسات البلد الخالي من الشيعة غير ودودة مع إيران. وقد فعلوا ذلك مع مصر والسودان وإندونيسيا. فإذا كانت في البلد طائفة شيعية، فيسعى الإيرانيون لتنظيمها بالدعم والرعاية، ويحاولون من خلالها إحداث انقسامٍ واضطرابٍ في تلك الدولة، بحجة أنّ الشيعة مضطهدون، وهم بعد ذلك إمّا أن يتمكنوا من الاستيلاء على البلاد وإما تقسيمها وصنع دويلة داخل الدولة. وقد حصل ذلك في العراق وسوريا ولبنان والكويت والبحرين وباكستان وأفغانستان، على سبيل المثال لا الحصر، وبمقادير نجاحٍ متفاوتة. 
لماذا حصل ويحصل ذلك؟ عندما كنا نسأل الإيرانيين غير المعارضين للنظام كانوا يقولون تارة إنّ ذلك غير صحيح، أو إنهم إنما يساعدون المسلمين الذين يطلبون عَونهم، ثم إنه لا يُنكر إغراء التشيع بسبب حب سائر المسلمين لآل البيت!
أما الواقع فإنّ هذه السياسة الإيرانية في زمنَي الخميني وخامنئي حدثت وتحدث لثلاثة أسباب: سياسي - استراتيجي، وديني مذهبي، ولجمع أوراق تُزعج بها الولايات المتحدة وإسرائيل، وأخيراً عرب الخليج. 
فالبلدان التي بالجوار القريب من إيران، مثل العراق وسوريا ولبنان من جهة الغرب، وباكستان وأفغانستان وأذربيجان من الجهة الأُخرى؛ المقصود من التدخل فيها توسيع المدى الاستراتيجي للدولة، والحصول على مواقع ذات أبعاد إمبراطورية. 
وأما السبب الديني والمذهبي فهناك سياساتٌ شاملة لهذه الناحية؛ إذ تعتبر العقلية الدينية الإيرانية أنّ من حقّها السيطرة على الشيعة في سائر أنحاء العالم، حتى في الولايات المتحدة والأرجنتين وأميركا الجنوبية كلّها، أما السنة فمن حقها نشر التشيع في أوساطهم! وهم يتبعون منذ أعوام سياسات التهجير والتشييع في أوساط العرب السنة، في كلٍّ من العراق وسوريا. وهي سياسة علنية دفعت المستضعفين في سوريا بالذات إلى الاستعانة بالأتراك والروس للبقاء في مساكنهم، أما إذا أرادوا البقاء مع تعذر الحماية، فلا حلَّ لهم إلا بالتشيع. وقد اكتشف الإيرانيون في سوريا بزعمهم عشرة آلاف مزار لآل البيت، والمزار المكتَشَف وهماً يصبح كل ما حوله شيعياً! وقد شكت عدة دولٍ وبلدان في العالمين العربي والإسلامي من هذه السياسة؛ لكنّ إيران لم تكفّ عنها، ولو كان ثمن ذلك قطع العلاقات، أو إقفال المراكز المستحدَثة وتوتر العلاقات مع إيران.
وقبل شهرين، وعندما كان وفدٌ إيراني يزور حسن نصر الله، أوضح لهم صورته لتاريخ لبنان، فقد كان الشيعة كثرة كاثرة في هذه المنطقة أو تلك؛ لكنّ بعضهم تحول إلى التنصر أو التسنُّن بسبب الاستضعاف، وقد انقضت تلك الأزمنة لأن «حزب الله» والشيعة - بسبب سياسات خامنئي - صاروا أقوى قوة بالمنطقة! ما كان عدد الشيعة في سوريا كلها يزيد على المائة ألف، وعددهم الآن يزيد على نصف المليون بحسب إحصائيات الإيرانيين! وصارت هناك أقليات شيعية جديدة حتى في سريلانكا!
ولنصل إلى المماحكات مع الولايات المتحدة وإسرائيل. فقد استقطب الإيرانيون تنظيم الجهاد الإسلامي، ثم حركة حماس. وصاروا يستطيعون إحداث نزاعاتٍ وحروب ليس من جهة لبنان فقط؛ بل ومن جهة غزة. وأذكر أنه عندما كان الإيرانيون يحتفلون بالانتصار الذي حققوه نتيجة الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والآخرين، وجّهوا الشكر لـ«حزب الله» الذي ساعد على ذلك بالتحرش المستمر بإسرائيل. فقد كانت وجهة نظرهم أنّ بين أسباب قبول أوباما بالاتفاق وحماسته له، حماية أمن إسرائيل من تحرشات الحزب، ومن أنصار إيران في غزة. والإيرانيون يزعمون أنهم إنما يدعمون «حماس» وتنظيم الجهاد لأسبابٍ مبدئية؛ لكنّ وسائل الإعلام تذكر في كل حينٍ أنه ظهرت في غزة مجموعة شيعية يسمون أنفسهم: «الصابرين»!
لقد تحولت إيران خلال العقدين الأخيرين إلى خطر ديني، وخطر استراتيجي، وخطر مجتمعي على العرب والمسلمين. أمّا عن الخطر الاستراتيجي فحدِّث ولا حرج. فقد عاش الزيدية والشافعية معاً في اليمن قروناً وقروناً من دون فتنة طائفية. ثم جاء الإيرانيون فأحدثوا انشقاقاً داخل الأقلية الزيدية، وحشدوا وجنّدوا على شاكلة «حزب الله». وقد قال لي بعضهم عام 2004 بضحيان على مقربة من صعدة: «نريد الاستيلاء على اليمن، كما استولى (حزب الله) على لبنان»! وها هم منذ أكثر من خمس سنوات، وبعد أن استولوا على ثلاث محافظات هم فيها أكثرية، استولوا على العاصمة والسواحل الشافعية، ويهددون المملكة بمئات الصواريخ الباليستية الإيرانية، كما يهددون الملاحة في بحر العرب والبحر الأحمر والمحيط الهندي. والأمر أفظع وأوجع في العراق وسوريا ولبنان وغزة. فبالإضافة إلى وجودهم على أرض تلك الدول والبلدان من إيرانيين وأفغان وباكستانيين، ومتأيرنين، صاروا يقولون للعرب وللعالم إنّ موازين الحرب والسلم بأيديهم. وكنا نحسب أنهم يقصدون تهديد إسرائيل بتحشدهم، فإذا هم يهددون سكان تلك البلدان، فقد احتلوا بيروت عام 2008، ويهجّرون ويحتلون الآن مناطق وأقاليم في سوريا والعراق.
ولا حديث للإعلام الآن إلا عن الحرب بين إسرائيل وإيران على الأرض السورية. والعزاء أنّ الأميركان والروس سيحولون دون ذلك، أميركا تضبط إسرائيل، وروسيا تضبط إيران. 
لقد ضاعت قضية الشعبين السوري والعراقي في السنوات الماضية بحجة مقاتلة الإرهاب. والآن تضيع قضية الشعب السوري مرة ثانية، وتُنسى تضحياته، بحجة منع الحرب بين إسرائيل وإيران على أرضه. والخشية الآن أن يُحفظ الأمن الإسرائيلي، لكنْ يبقى الإيرانيون على أرض سوريا منشغلين مع بشار الأسد بالقتل والتهجير، وما أحدثوه من ممانعة في وجه إسرائيل! 
ما كنا نحن في لبنان نخشى حرباً علينا بعد أن وصل الجيش اللبناني مع القوات الدولية إلى الحدود مع العدو؛ لكننا نخشاها الآن بحجة وجود ترسانة «حزب الله» على الأرض اللبنانية. وما كان السوريون يخشَون الصهاينة على بلادهم، وهم الآن يخشَون وسط بلاء التهجير والقتل، أن تشنّ إسرائيل الحرب على بلادهم بسبب الوجود الإيراني فيها. وبالطبع ما جاء الإيرانيون إلى سوريا لحمايتها من إسرائيل، وإنما جاءوا لحماية النظام من شعبه. وها هم يرتهنون الشعب السوري كما ارتهنوا الشعب اللبناني، بحجة أنهم أعداء إسرائيل! فليقطع العرب والمسلمون علاقاتهم مع إيران، كما فعل كبارنا في مصر والسعودية والمغرب.
لقد قطع المغرب البعيد عن إيران علاقاته معها مرتين؛ في الأولى، من أجل الحفاظ على أمنه المجتمعي والديني، وفي الثانية، من أجل الحفاظ على أمنه الاستراتيجي؛ فماذا سيفعل اللبنانيون والسوريون لحماية أمنهم الديني والمجتمعي والاستراتيجي من جمهورية إيران (الإسلامية)؟ فيا للعرب ويا للإسلام!