العمل على نبذ العنف مهمة نبيلة، و يجب أن تشترك كل الفئات والشرائح الاجتماعية في الوصول إليها
 

 

شهد الخطاب السياسي الانتخابي الكثير من العنف وتخوين الاخر وكان له حضوراً مكثفاً على صعيد الخطاب الإعلامي في سياق الحملات الانتخابية وخصوصاً في البلد بشكل عام وفي بعلبك الهرمل بشكل خاص ،  والمتأمل في طبيعة العلاقة بين المتنافسين وحملاتهم يتجلى هذا الخطاب في الكثير من جوانب هذه العلاقة. وفي الفترة الأخيرة اتخذ هذا الخطاب شكله الأقصى في التهديد الذي يحمل في جوهره بعداً إرهابياً وتخويفياً. بحيث كل طرف ينشد عبر حملته التي تهدف الى تحجيم ونفي الآخر وتدميره التام. ونظرة واحدة إلى تجارب الممارسات العنفية، تؤكد أن كل هذه التجارب والمقولات التحريضية والعنفية وكأنهاتستهدف تدمير الآخر المختلف والعمل على إنهاء حضوره ووجوده.

وهنا لا نتحدث عن طرف دون آخر، إنما نرى أن كل الحملاتتتضمن نفي الآخر بغض النظر عن تحديد من هو الآخر. فخطاب العنف هذا ما هو إلا ضرباً للحياة السياسية والوجود الإنساني كما أنه يستهدف النفي للآخر سواء كان فرداً أو جماعة أومجتمعاً.

العمل على نبذ العنف مهمة نبيلة، و يجب أن تشترك كل الفئات والشرائح الاجتماعية في الوصول إليها. وكل الشرائح والفئات بحاجة أن تنعم بالأمن والسلام، ولا خير في العنف مهما كانت دوافعه وموجباته.

وخطاب العنف على ضوء تجاربه العديدة، ليس ظاهرة حديثة أو وليدة فئة بعينها، وإنما هو يمتد بجذوره في تاريخ المجتمعات كلها.

فكل الحملات الاعلامية وشعاراتها وتصريحات القيادات السياسية للاطراف المتخاصمة قد شهدت مظاهرعنيفة في خطابها وممارساتها. ومن الخطأ التعامل مع ظاهرة العنف بوصفها خطابا سياسياً أو ثقافيا مع إدراكنا التام أن ظاهرة العنف في سياق العملية الانتخابية، هي في أغلبها نتاج فهم سلبي لجوهر هذا الحق الدستوري .

إقرأ أيضا : لا یعرف المعاناة إلا مَنْ كابدها

 

وبالنظر  الى تعدد المرجعيات الفكرية والأيدلوجية لظاهرة العنف بشكل عام ، فقد تعددت تعريفات العنف على المستوى المعرفي والإنساني. فمعجم لالاند يعرفه بأنه الاستعمال غير المشروع أو على الأقل غير القانوني للقوة عندما نكون نحن الذين نعيش في ظل قوانين مدنية مكرهين على إبرام أي عقد لا يوجبه القانون.

والنقد الأساسي الذي يتوجه إلى هذا التعريف أنه يتضمن القبول بمسلمات الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو الذي يذهب إلى القول إن العنف الشرعي هو عنف الدولة التي تكتسب شرعيتها ومشروعيتها من العقد الاجتماعي الذي يقيمه المواطنون فيما بينهم، يتنازلون بموجبه عن حق استخدام العنف بعضهم ضد البعض. وبهذا المعنى فإن العنف يصبح ظاهرة تنتمي إلى الطبيعة لا إلى الحضارة، والمعروف أن الإنسان بالنسبة لفلاسفة القرن الثامن عشر هو الإنسان البدائي.

وفي سياق الحقل النفسي يعرف العنف بأنه السلوك المنسوب بالقسوة والعدوان والقهر والإكراه وهو كسلوك بعيد عن التحضر والتمدن.

ويعتبر فرويد العنف بأنه القوة التي تهاجم مباشرة شخص الآخرين وخياراتهم أفراداً أو جماعات بقصد السيطرة عليهم بواسطة الموت والتدمير والإخضاع والهزيمة.. أما ج لافوفإنه يضيف إلى الأذى الجسدي الضغط المعنوي الذي يرتكز على قوة تتحفز للانطلاق بعنف.

وعلى ضوء هذه التعريفات وغيرها، يمكن القول إن العنف كسلوك سواء قام به فرد أو جماعة يدخل في حقل التصادم مع الآخر سواء تجلى هذا التصادم في إنكار الآخر أو استبعاده أو جعله تابعاً، أو القيام بتصفيته معنوياً أو جسدياً.

وهكذا فإن بعض الممارسات العنفية تدخل في سياق الأعمال الإرهابية حينما تستهدف الإنسان الآخر أياً كان هذا الآخر جماعة سياسية مختلفة أو غيره.. لأنه يعد شكلا من أشكال الاختراق العنيف للمنظومة الحقوقية والقانونية. وتقترب الممارسات العنفية في هذا السياق من شريعة الغاب التي لا غايات كبرى وأهداف نبيلة تدعو وتحرض عليه، بقدر ما ينحصر الهدف بععمليات الاستنهاض والاستقطاب من أجل زيادة المكاسب .

وعليه فإننا نعتبر مواجهة العنف في كل الحالات تتطلب تظافر كل الجهود والطاقات، لكي نتمكن من التخلص منه،، لأنه يدمر الإنسان والأرض والنسيج الاجتماعي، ولا مصلحة لأي طرف أن يستمر العنف في الوجود الاجتماعي والإنساني وخصوصاً في منطقتنا التي تحمل الكثير من السمات الايجابية.

إقرأ أيضا : حتى لا نبقى ضحايا الصحوة المزعومة

 

ومن المؤكد أن مواجهة العنف والتحريض يتطلب أيضاً أن يشترك الإعلام والقوى السياسية وغيرها في حث الناس جميعاً على رفض العنف والتحريض ومحاربته بكل الوسائل المتاحة قانوناً. والمنطقة بحاجة ماسة للتخلص من هذه الآفة الخطيرة والمدمرة، لتبقى نموذجاً للعيش المشترك وبخلاصها من هذه الافة تصبح المنطقة على أحسن ما يرام.

لذلك فإننا نؤكد أن السيطرة على العنف والتحريض على نبذ الاخر هي مهمة نبيلة، ويجب ان تشترك كل الفئات والشرائح الاجتماعية والقوى في الوصول إليها. والجميعبحاجة أن ينعم بالأمن والسلام والاستقرار، ولا خير في العنف مهما كانت دوافعه وموجباته.