قصد الرئيس بري الوزير الذي يُبرغت في الجنوب ليس نيلاً لشخصه بقدر ما هو تعليق على دور يعيد مجد الصراعات الطائفية
 

في علم البلاغة يكون التلميح أبلغ من التصريح وفي العمل السياسي المباشر تكمن ضرورة التصريح على حساب التلميح البليغ وبين هذا وذاك يأتي كلام الرئيس نبيه بري الإنتخابي في صور تلميحاً ضدّ وزير الخارجية لا اعتباراً لفنّ البلاغة ولا تقصيراً في مخاطبة جمهور يسهل على الرئيس بري مخاطبته لأنه الأقرب اليه وعياً وفهماً لأنه جانبه والتصق به منذ تسلُم أمانة المحرومين ولا حاجة لضرب الأمثلة لتأكيد المؤكد في قدرة الرئيس بري على المكاشفة والمصارحة وفضح المستور لأناس يفهمون عليه من الإشارة بعد أن رافقهم من بدايات الثمنينيّات وحتى الآن كراعي وقائد لهم لا شريك له في الإمرة والقيادة ولا منازع له في طائفة مبايعة له على السرّاء والحرمان.
قصد الرئيس بري الوزير الذي يُبرغت في الجنوب ليس نيلاً لشخصه بقدر ما هو تعليق على دور يعيد مجد الصراعات الطائفية وهذا ما عمل بري على دفنه في الجنوب ووحد الجنوبيين على قاعدة الدفاع وحماية المسيحيين من أنفسهم ومن غيرهم ودفع بمصالحهم الى واجهة التنمية في الجنوب لإبقاء صيغة التعايش ثروة وطنية يجب التمسك بها كما قال إمامه الإمام موسى الصدر.

إقرأ أيضًا: خيّ بس إيجا بري الكهربا والميّ والفيّ 24 / 24
وفي قصد الرئيس بري موقف واضح من التيّار الحرّ الذي يتغذّى من أثداء الطائفية لتعزيز دور الطائفة القوية كما يقول دعاتها والتي أدّت في تجاربها السابقة الى حروب أهلية ومن ثمّ جلبت العدوان والاحتلال بعد أن خرّبت وطناً كان من أفضل الأوطان، وفي حسابات الرئيس بري أن التيّار يصعد سلم الطائفة القوية على درجات التحالف مع حلفائه وهذا الرصيد المعطى من قبل حلفاء بري للحرّ سهّل له الكثير من الحضور الطائفي والسلطوي وهذا ما سيعزّز من عودة العصبيات المذهبية وما سيؤثر على عودة غير ممنونة لزمن دولة الطائفة.
حتى الآن لم يدرك بعد حلفاء بري ما تجنيه سياساتهم من ثمار لأعدائه وهذا ما لم يفقهه بعض المتحالفين على ضرورات من صنع الوهم لا من صنع الواقع لذلك قال بري و بوضوح أن الدعم بالكلام لا يمّر عليه وهو الذي اختبر الساحات اللبنانية ساحة ساحة ويعلم من مع المقاومة ومن ليس معها وأشار بوضوح الى أن الاستهلاك بهذا الموضوع من قبل صيّادي الصيد السياسي مكشوف بالنسبة له وهو لا يعوّل على من رجم الشيطان بالورود لا بالأحجار لذلك يرى في حجّ هؤلاء حجّاً جاهلياً وغير مقبول في مناسك الرئيس بري الذي يوجب رجم الشياطين بالأحجار.

إقرأ أيضًا: بري ضمانة ضمانة ضمانة
لا يريد الرئيس بري التصريح المضرّ بالعملية الانتخابية التي يحرص عليها لحماية الدستور ممن يريدون تعليقه أو تعطيله لهذا هادن في كثير من مواقفه ولم يقل كل شيء لأن في فمه ماء إنتخابي حبسه مخافة الوقوع في المحظور خاصة و أن الداخل يحتاج الى الحدّ الأدنى من التماسك الوطني لعدم ضياع فرصة الاستمرار في العمل الحكومي المشترك ولعدم تصدّع جُدر التحالفات القائمة داخل كل وحدة طائفية حتى لا تنهش أحزاب كل طائفة ببعضها البعض وتصبح عودة الحروب التي امتهنوها وامتحنوها في ما بينهم على أبواب نتائج الانتخابات النيابية قيد التحقيق.
هذا الفهم الذي يحدث به بعض القارئين لخطاب الرئيس بري في صور يطلق ما بين سطور الكلمات من مواقف مرسلة الى كل الجهات القريبة و البعيدة وقد غلبت فيه اللهجة الهادئة و المسؤولة عن لبنان وعن اللبنانيين وهذا ما يعري خطابات غيره ممن ينتهجون لغات التهديد والوعيد وجرّ البلاد والعباد الى ما لا يحسب عقباه في ظل ثورة مذهبية تطرق أبواب اللبنانيين كل يوم من خلال سماسرة سياسيين يبنون عظمة دورهم ووجودهم على جُثث الناس وعلى حساب الوطن.