في نهاية هذا الأسبوع، يتوجّه كثير من اللبنانيين إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم وانتخاب ممثلين عنهم في البرلمان اللبناني الجديد الذي سيبصر النور ما بعد 6 أيار. منذ ستة أشهر على الأقل، يتحدّث اللبنانيون عن الإنتخابات النيابية التي «اشتاقوا» إليها. جميعهم يتهيّأون «لوجستياً» و»نفسياً» لاختيار النائب «المناسب» في المكان «المناسب». لكن ليست «مصداقية» المرشح وحدها، ولا «مشروعه الإنتخابي» ولا «وعوده وتمنياته» كفيلة في اختياره من قبل الشعب اللبناني، بل يلعب العامل النفسي دوراً أساسياً في هذا الإختيار. فما هي الأسس والأساليب النفسية التي تقود الناخب إلى اختيار المُرشّح؟
 

لم يهتم علم النفس بدراسة الإضطرابات النفسية عند الإنسان ومشكلاته العلائقية، وذكائه واحتياجاته فقط... بل اهتم أيضاً بطريقة تفكيره وتحليل منطقه ودراسة علاقاته الإجتماعية. لذا تتفرّع من علم النفس العديد من الإختصاصات منها علم نفس الجريمة، علم نفس «دينامية الجماعة» وصولاً إلى علم نفس «السياسة» الذي يدرَّس ويحلّل المواقف السياسية ويربطها ببعضها ثم «يُفسّرها» نفسياً.

حديث الساعة في لبنان، هو الإنتخابات النيابية التي سيولد منها برلمان جديد يجب أن يمثّل جميع اللبنانيين، واختيار المرشّح أساسي في اللعبة السياسية. ولكن ما هي قواعد اختيار هذا المرشح بالذات... بعيداً من المخصّصات السياسية والطائفية والمذهبية والمناطقية...؟

مرشح... «قريب على القلب» ومرشح... «ثقيل الدم»

يعتبر البعض أنّ الاختيار الصحيح لمرشح ما، يجب أن يكون موضوعياً «علمياً» ودقيقاً... ولكنّ هناك أسباباً كثيرة تتداخل في لعبة الإنتخابات وتدعم مرشحاً دون سواه، أساسها شخصية المرشح، علماً أننا لا يمكن أن نلغي «مشاعرنا» تجاهه. مثلاً، عندما نشاهد نشرات الأخبار، ونستمع إلى بعض السياسيين، يخطف انتباهنا سياسيّ معيّن رغماً عنّا، لأنّ شخصيته و»الكاريزما» التي يتمتع بها، تفرض علينا الإصغاء والتمعّن في حديثه الشيّق. منطق السياسي وتسلسل أفكاره و»ابتسامته» من وقت لآخر عوامل تضيف رونقاً «قريب ع القلب» لأيِّ لبناني ينتظر من هذا السياسي... حلّاً لمشكلاته.

والعكس صحيح، فكم من السياسيين، وعلى رغم «منطق» حديثهم، لا يمكن تحمّلهم أكثر من دقيقة على التلفزيون بسبب طريقة كلامهم و»ثقل دمهم». فلعبة الكاريزما يجب أن يتمتّع بها كلّ سياسي لكي يكون محبوباً من الشعب عموماً.

الدور النفسي للناخب في اختيار ممثله

ليكون السياسيّ ناجحاً، لا تكفي شهاداته الجامعية، على رغم كونها مهمّة وأساسية للتعامل السياسي، بل يجب أن يتمتّع أيضاً بالمصداقية، واحترام الآخرين، وبإلقاءٍ جميل مع صوت واضح، ويُحسن إختيار الكلمات المناسبة والقريبة من الشعب بدل الكلمات الصعبة الغريبة في خطباته السياسية...

كما يلعب الترابط الإجتماعي والعامل السياسي والإنتماء الديني...، دوراً أساسيّاً في اختيار الناخب لممثليه، بالإضافة إلى التكوين النفسي للناخب، الذي يدفعه إلى اختيار هذه اللائحة مع الصوت التفضيلي... لا تلك. فشخصية الناخب، تتفاعل حسب شخصية السياسي وبرنامجه الإنتخابي.

فالسياسي المتفائل، وبرنامجه الإنتخابي الإصلاحي، يجذب الشخصية الإيجابية والمتفائلة التي تنظر إلى الحياة من منظور متّزن وهادئ.

والسياسي المُبتسم والذي يتميّز بالرصانة والهدوء، يجذب بسهولة الناخبين، لكن هذه ليست قاعدة عامة.

ونجد بعض السياسيين ذات الشخصية المتحاشية (وهم قلائل خصوصاً في الإنتخابات)، يهربون من مواجهة الناس ولا يحبون الترحيب ولا الانتقاد خوفاً من المحاسبة أو التجريح... ولهؤلاء منتخبوهم الذين يدافعون عنهم وعن سياساتهم. وعادة منتخبو هذه الفئة من السياسيين، هم بحاجة دائمة للدعم وحبّ الآخر كما يتمتعون بشخصية إعتمادية غير قادرة على اتّخاذ أيّ قرار بدون مساعدة الآخر.

وهناك، المرشح الذي يسعى بشكل جميل وأنيق إلى كسب أصوات «الشعب» من خلال شخصيّته المنفتحة واستعمال تقنيات ذكية للتقرّب من الجميع. هذا السياسي ذكيّ جداً وعادةً يتمتّع بشخصية «قريبة ع القلب» و»كاريزما» تضاهي منافسيه. ويكون قريباً من «نبض الشارع» الشاب الذي يتوق للتغيّرات الجذرية في مجتمعه.

شخصية السياسي الإيجابية، تؤثر على علاقاته السياسية، وتجعله ناجحاً، يحقّق عمله وينجز مسؤولياته بسهولة. هو عادة شخص يحترم القانون ويتقبّل التوجيهات والنصائح.

كما نجد العديد من المرشحين الذين يتمتعون بشخصية صريحة، ما يُعتبر من أهم صفات النجاح السياسي. يُعبّر هذا السياسي عن وجهة نظره بشكل واضح وسليم بعيداً من سياسات «ما تحت الطاولة» والمؤامرات.

ونجد أيضاً السياسي الكتوم، الذي لا يتحدّث كثيراً، بل يستمع للآخرين ولحاجياتهم. يسعى هذا السياسي في الإنتخابات، إلى استيعاب كل الأفكار ويساعد منتخبيه قدر الإمكان وحسب قدراته.

كما هناك الشخص الذي يسعى لربح المعركة الإنتخابية بفضل تواضعه الطبيعي (وليس المفتعل). فالتواضع مفتاح أساسي لكسب أصوات الشعب. ويجب أن يتحلّى السياسي ما بعد إنتخابه بهذه الصفة، ولا يُبعد المسافة بينه وبين الشعب.

أخيراً، لانتخاب صحيح، على الناخب اللبناني أن يحكّمَ عقله وليس فقط قلبه، ويختار الإنسان المناسب في المكان المناسب ويسأل نفسه هل هذا السياسي، سيجيب بشكل موضوعي على حاجيات الشعب اللبناني وخصوصاً الفئات الإجتماعية الفقيرة؟

(د. أنطوان الشرتوني)