كان لا بُدّ من مجيء الأستاذ ليؤدّب التلاميذ الذين لم يُحسنوا صنعًا في المسؤولية والأمانة
 

ما إن وصل الرئيس نبيه بري إلى دارته في مصيلح، حتى تبدل كل شيء، فالسماء أمطرت وغاض تنورها وفاض في نيسان على غير عادتها لترفع من منسوب المياه، وكي تسقي البساتين العطشى، وتروي غليل الأرض، ويعود الربيع أبهى حُلة في جنوب كاد أن يفتقر لنعم الله نتيجة من أساء اليها من مسؤولين لا يفقهون الحياة وضرورات العيش، فسدّوا نوافذ الشموس، وقطعوا حبال الهواء، وسدّوا أنهار المياه، وأحرقوا ما تبقى من اخضرار وأشعلوا نيران جهلهم بيباس من سنين الحرمان.
كان لا بُدّ من مجيء الأستاذ ليؤدّب التلاميذ الذين لم يُحسنوا صنعاً في المسؤولية والأمانة، ولم يكونوا على مستوى الثقة الممنوحة لهم، وعلى قدر أهل العزم من مروءات عاملية لطالما افتدت البكوات لتصلح أحوالها وتُسيّر عجلة حياتها بعد أن اختارت كواكب من نوّاب الدهر ممن لا ينامون على غيظ أو كيظ رفعاً للحرمان ونصرة للمظلوم والمحروم وإيماناً منهم بدورهم كخدّام في رعية الماشية من أهل البادية.

إقرأ أيضًا: اسكتوا وصوّتوا للكتلة الملتحية
كان لا بُدّ من أن يأتي كي تأتي معه الحياة وتنتهي فصول الموت وحكايات النعوش والقبور خلف متاريس الكوابيس التي تتراءى لبلهاء الواعظين ممن لا يفقهون الحياة ليعرفوا سرّ الموت فلا يندهشون من غرابة الوقوف على مقبرة الحقيقة التي أحاطوها بحرّاس من صنع جهلهم بعد أن عمّروها بأحجار أحقادهم ليزينوا ما خربت أيديهم من عقول لم تبلغ الحلم بعد وما زالت ملفوفة بورقة غير مستعملة ولم تدخل بعد ولم تخض تجارب الحياة.
كان لا بُدّ من أن يأتي حامي الجنوب من الفقر والجهل والحرمان وشيوخ العسل والدبس ومن المستزلمين الصغار والكبار ممن لم يبلغوا الفتح و لم يشهدوا بدراُ ولا أحداً ولا حنيناً رغم أن كثرتهم قد أعجبتهم بعد أن دخلوا أفواجاً في نعيم السلطة ورضعوا منها وأكلوا حلمة الرضاعة لما انتابهم من جوع قديم.
كان لا بُدّ من أن يأتي ليعمل العامل في عمله فتنتظم أمور الجميع من المجالس المحلية إلى قطاع الصحة والمياه والكهرباء والخدمات فتصبح فجأة و كأنك تسكن شارعاً من شوارع العالم الأوّل فالسماء مزدانة بالحرس والنجوم والأرض مزدانة بالعشب والورد والألوان والدروب يفضي بها النور إلى آخر نهاراتها ومياه الخدمة تطرق بقوّة الخزانات الشحيحة وبات الجنوبيون يستخدمون الحنفيات بعد أن عادوا الى عاداتهم القديمة في الريّ والخدمة اليومية من غسل و اغتسال بعلب التنك وتسخين الماء على الحطب.

إقرأ أيضًا: بري ضمانة ضمانة ضمانة
كان لا بُدّ من أن يأتي وتأتي معه الطيور التي هرّبها أعداء الألوان والألحان وتستعيد الشواطىء نظافتها بعد أن وسّختها أقدام السياسيين ويعود البحر موجاً كثيفاً من أمواج الأفواج الواقفة بوجه ريح الفساد بكل أشكاله، وتصبح الأرض غير الأرض في عرس نصر لا يشبه أعراس الموتى ممن أحيوا فينا مراسم الخراب والدمار وبتنا أطلالاً على ركام مجد مزيف لا خدمة فيه ولا رنق و لا رونق لأنها مجرّد ادعاءات فارغة لا تملأ كأساً دهاقاً إلاً في السماء السابعة.
كان لا بُدّ من أن يأتي محملاً بالخير والبشائر وأزاهير النصر لا كشعارات مرفوعة على أعواد مشانقنا بل كخير مفتوح على وفرة الماء وبشارة تستضيء بنور الكهرباء المقيمة لا المُستضافة لساعات ومن ثم تغادر على ظهور البواخر ونصر على جهل بات محتلاً للجنوب وأكثر انتشاراً فيه من الاحتلال نفسه.
مرحباً بك في بيتك وبين ناسك وأهلك تسمع وتحاسب وترفس باعة الوظيفة والمحسوبية وسارقي مكاسب السياسة وناهبي المال العام وتقرّب الفلاحين وبقايا العمال والشغيلة ومن لا يلوك الدين والطائفة والمذهب ليأكل من ثمرات العصبيات ولتزدهر تجارته في هذا السوق الوسخ.
حبذا لو يقيم الرئيس بري على الدوام والى أبد الآبدين في الجنوب حتى تبقى الكهرباء وتمشي المياه في القساطل وتبقى غيمة الخير وخيمة الله فوق رؤوسنا.