يعتبر لبنان من أكثر الدول التي تضررت من إغلاق المعابر وإيقاف الممر التجاري الذي كان يعتبر شرياناً أو رئة للاقتصاد اللبناني. وإن إغلاق الحدود اللبنانية السورية المتكرر أثّر بشكل كبير على حركة الصادرات والواردات عن طريق البرّ بين لبنان وسوريا أو عبرها إلى باقي الدول العربية، وهو الطريق المعتمد الأساس في هذه المجالات. إذ كان مجموع الصادرات اللبنانية التي تتجه إلى الأسواق الخليجية 65%. وعقب توقف الخط التجاري انخفضت نسبة الصادرات 50%، في حين تقدر خسائر الاقتصاد اللبناني في اليوم الواحد بـ 2.5 مليوني دولار. إن إيقاف المنفذ البري الوحيد للبنان مع الأسواق الخليجية أدى إلى خسائر كبيرة، إذ كانت تمر عبره 70% من الصادرات الزراعية و32 % من الصناعات الغذائية و22 % من صادرات الصناعة بشكل عام، بحسب ما نقله رئيس مجلس إدارة ومدير عام المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات (إيدال) نبيل عيتاني. وبالعودة إلى التقارير التي صدرت عن مراكز الدراسات الاقتصادية اللبنانية، فإنّ حركة التبادل التجاري تراجعت في العام الأول لإغلاق المعابر بنسبة 15%، فيما يصل التراجع حاليًا إلى نحو 30% بالمقارنة مع العام 2014. ففي العام 2009 بلغ حجم التبادل بين سوريا ولبنان 458.6 مليون دولار، ثم ارتفع في عام 2010 إلى 559.3 مليوناً، إلا أنه مع بدء الأحداث السورية في آذار 2011 انخفض حجم التبادل في تلك السنة إلى 524.9 مليون دولار. وأعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة أن الصادرات من لبنان في السنوات الأخيرة، بلغت عام 2010 نحو 4,2 مليارات دولار وانخفضت عام 2016 الى نحو 3 مليارات دولار وهو تراجع كبير يستدعي التحرّك الفوري. وبحسب أرقام غرفة الزراعة والتجارة والصناعة في بيروت، انخفضت القيمة الإجمالية للصادرات اللبنانية عبر المعابر البرية السورية بنسبة 26% في الثلث الأول من العام 2013 مقارنة مع الفترة نفسها من العام2011. هذا فيما تراجعت قيمة حركة الترانزيت حتى حدود الصفر في المئة. وقد شكّل الاعتماد على النقل البحري تعويضاً معقولاً عن انسداد المعابر البرية، خصوصاً بعد ارتفاع الكلفة الإضافية على أسعار الشاحنات المحمّلة بالبضائع من لبنان إلى السعودية بنسبة 50%، ما حدا بالمصدّرين إلى البحث عن بدائل أخرى. وفي الحسابات، فإن كلفة "الكونتينر" المنقول بحراً من بيروت إلى الخليج حوالى 8 آلاف دولار، أما برّاً فلا تتجاوز كلفته 2800 دولار.

 أمّا حركة الترانزيت فقد شهدت انخفاضاً عبر المعابر البرية من 13 مليون دولار في الثلث الأول من العام 2011 إلى صفر في الثلث الأول من العام الحالي. وكانت حوالى 250 شاحنة نقل تجتاز الحدود اللبنانية يومياً في الأوضاع العادية، وفي فترات الركود، انخفض العدد إلى 120 قبل توقف الحركة كلياً، باستثناء الرحلات التي تنقل البضائع إلى السوق السورية. أما الشاحنات التي تأتي من الدول العربية ومن الخليج العربي، والتي تصل إلى لبنان عبر معبر "نصيب" الأردني، فهي معدومة بالكامل، علماً بأنه يشكل أكثر من 90% من حركة دخول وخروج الشاحنات إلى لبنان وبالعكس، عبر طريق سوريا. معبر نصيب كان الوحيد الذي تصدّر من خلاله المنتجات اللبنانية برّاً، وبعد إغلاقه لم يعد هناك معابر، وقد تعرضت 35 في المئة من الصادرات اللبنانية للخطر.

وبفعل تذبذب الأوضاع على المعابر البرية ومخاطر السفر البري إلى سوريا وعبرها، كان لقطاع الزراعة اللبناني الحصة الأكبر من التضرر من التطورات الأمنية في سوريا. فنتيجة لارتفاع التصدير على المزارع اللبناني، خصوصاً بفعل ارتفاع كلفة الشحن وبوليصة التأمين عبر البحر مقارنة مع النقل البري مع سوريا، يعبّر كثير من المزارعين اللبنانيين عن معاناة من الكساد لعدم قدرتهم على تصريف منتوجاتهم ولأن الأسواق المحلية غير قادرة على استيعاب الانتاج. وبرزت كذلك أزمة خاصة بالمزارعين القاطنين في المناطق الريفية المجاورة لسوريا، إذ حذّرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) من تناقص الموارد لديهم وشحّها الذي يؤدي إلى التنافس الكبير عليها. واللافت أن الهواجس والمخاوف عند تصدير السلع والمنتجات الزراعية تتعاظم يوميًّا بسبب المخاطر المحتملة على الطرقات، أو احتمال تأخير الشاحنات، ما يؤدي إلى تلف تلك المنتجات. على المستوى السياحي يكاد الوضع يكون أشبه بالنكبة، والبداية من نقطة المعابر. فقد سجلت الحركة تراجعًا في عدد السياح العرب والأتراك الذين يقصدون لبنان عبر المعابر السورية بنسبة تفوق الـ 60%، بعدما تخطى العدد 170 ألف سائح في العام 2010، كذلك شهدت الحركة المعاكسة من لبنان إلى سوريا تراجعاً كبيراً، بعدما احتل لبنان المرتبة الأولى في عدد السياح العرب الذين يقصدون سوريا. كذلك سجل انخفاضاً في عدد اللبنانيين الذين يقصدون سوريا برّاً ليوم واحد أو أكثر لزيارة أقارب أو أماكن دينية أو سياحية أو للتسوق، والذي بلغ في العام 2010 نحو 2.2 ملوني نسمة.

يُمهّد اتفاق الهدنة في جنوب سوريا، بتاريخ 9 تموز من العام الحالي بتوافق روسي أميركي أردني، لإعادة فتح ممرات تجارية بين لبنان والأردن، عبر الأراضي السورية، الطريق أمام تنشيط الحركة التجارية في لبنان والأردن، وسيترك آثاراً إيجابية على الاقتصاد اللبناني. هذا الاتفاق تضمّن بنداً خاصاً بإنشاء " كوريدور تجاري آمن" يصل الأراضي اللبنانية بمعبر الرمثا الحدودي بين سوريا والأردن، واعتماده كنقطة تبادل تجاري بين البلدين. ومن المفترض أن يسهم فتح "كوريدور تجاري" في تعويض خسائر العامين الماضيين جزئياً، وتنشيط حركة التبادل التجاري من جديد، في ظل تحركات لتفعيل عمل اللجنة العليا الأردنية اللبنانية المشتركة، والتي تعنى بتنشيط العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وتتعالى الأصوات مؤخراً بعودة العلاقات الرسمية الطبيعية بين البلدين باعتبار سوريا المنفذ الوحيد والرئة الاقتصادية للبنان.

(د.أيمن عمر- باحث في الشؤون السياسية والاقتصادية)