إيجابية كانت أصداء انتخابات المغتربين اللبنانيين للمرّة الأولى. نسبة الاقتراع تشير إلى أن هناك حماسة على المشاركة في الاستحقاق الانتخابي، بحيث تخطّت نسبة المشاركة 65%. وهذا دليل مشجّع، وعامل محفّز للمقيمين، أو على الأقل فإن انسحاب هذه النسبة على الداخل اللبناني يوم السادس من أيار، سيعطي إشارة إيجابية، حول توق المواطنين إلى التعبير عن خياراتها. ورغم الإيجابيات التي طبع أركان السلطة اليوم الانتخابي الأول بها، وعملوا على مدح أنفسهم وتصوير انتخاب المغتربين بأنه قضية بحدّ ذاتها، أو باعتباره إنجازاً يخص طرفاً سياسياً، إلا أن هناك العديد من الملاحظات التي سجّلت.

كان يوماً طويلاً في وزارة الخارجية كما في السفارات. عملية مراقبة الانتخابات كانت تحصل عبر الشاشات بشكل مباشر، وسط تسجيل كثير من الشكاوى من الناخبين ومندوبي بعض الأحزاب، بالإضافة إلى الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات. بعض الناخبين اعترضوا على عدم إقفال ظروف أوراق الاقتراع، والبعض الآخر سجّل اعتراضات على عدم إرسال صناديق الاقتراع فوراً إلى بيروت، والانتظار إلى صباح السبت. وقد عللت السفارات ذلك بأن شركات الشحن لا تعمل يوم الجمعة، ولا بد من الانتظار. فيما بعض الناخبين والمواطنين اجروا اتصالات بشركات الشحن، التي أعلنت أنها تعمل 24 على 7. ما زاد الشكوك لدى المشككين.

في التصور الأولي، بحسب الماكينات الانتخابية لمختلف القوى السياسية، تشير الأرقام إلى أن النسبة الأكبر من المقترعين كانت تميل لمصلحة قوى 14 آذار سابقاً، أو لمصلحة الاحزاب التي كانت تنضوي تحت مظّلة هذا التحالف. وهذا ما قد يستبب بإشكالات سياسية في مرحلة لاحقة، لا سيما إذا ما كان لأرقام المغتربين تأثير جوهري على النتائج العامة. السبب واضح بحسب المتابعين، فإن المواطنيين الذين يؤيدون تحالف 8 آذار، وهذا يعني تأييدهم لحزب الله، غير قادرين على المشاركة في العملية الانتخابية، بسبب تخوفهم من موقف دول الخليج من حزب الله وتصنيفه إرهابياً، وبسبب الخوف من أن ينعكس تصويتهم سلباً عليهم، عبر ترحيلهم من هذه الدول بسبب خياراتهم السياسية. وهو ما أدى إلى إنخافض نسبة المسجلين الشيعة لدى تسجيل اللبنانيين أسمائهم للاقتراع في أماكن وجودهم. وقد يكون ذلك سبباً سياسياً للطعن لاحقاً في نتائج الانتخابات. حتى وإن لم يكتسب صفة الطعن القانوني.

كذلك، كان لافتاً غياب مندوبي اللوائح المؤيدة لحزب الله وحركة أمل وحلفائهما. بخلاف اللوائح الانتخابية الأخرى، لا سيما المؤيدة لتيار المستقبل والقوات اللبنانية، والتي كانت تعمل بأريحية ونشاط عادي، وكأن الانتخابات تحصل في لبنان. وهذا أيضاً سيكون أحد أسباب الطعن في نتائج الانتخابات لاحقاً، لا سيما أن المثل الذي يعطى لتقديم الطعن، بأنه منع مندوبي هذه اللوائح من دخول أقلام الاقتراع، وهل يجوز هذا المنع في لبنان؟

تبقى الإشكالية الأساسية في هذه التجربة الأولى من نوعها لبنانياً، بمسألة إرسال الصناديق، بحيث اكتفت اللجان المسؤولية عن العملية الانتخابية بفتح الصناديق وتعداد الظروف، بدون فرزها، فيما بعض المعنيين بالشأن الانتخابي أو الخبراء يشيرون إلى وجوب إجراء عملية الفرز، وتسجيلها وإرسال النتائج، مع إرسال الصناديق، كي تكون شفافية النتائج مضمونة. في مقابل ذلك، سجّل بعض المراقبين تجاوزات عدة، كغياب بعض أسماء الناخبين عن لوائح الشطب، أو عن القوائم التي تسمح لهم بالاقتراع. فيما هناك من أشار إلى تسجيل أسماء أخرى بخط اليد.

أما في الشق القانوني البحت، فهناك من يعتبر أن اقتراع المغتربين مسألة غير قانونية في أساس القانون. وهذه أيضاً ستكون عرضة للطعن، لأن القانون الانتخابي الجديد، الذي أقر في العام 2017، لحظ إلى جانب اقتراع المغتربين مسألة أساسية تتعلق بتخصيص ست مقاعد نيابية لتمثيل هؤلاء المغتربين في المجلس النيابي، وبما أنه قد تم تأجيل إضافة هذه المقاعد إلى الانتخابات المقبلة، فهناك رأي قانوني يقول إنه لا يحق للمغتربين بالاقتراع، لأن المادتين القانونيتين مرتبطتان ببعضهما البعض، وبما أن الأولى أجّلت فالثانية يجب أن تؤجل حكماً.