منذ زمنٍ طويل يقود المسؤولون في المملكة العربية السعودية وعلماؤها الكبار الحملةَ على التطرف والإرهاب. وهم الذين قالوا للجميع إنّ هذا الأمر فيه مسؤوليةٌ كبرى، ومصلحةٌ كبرى للدين وللمجتمعات وللدول. ذلك أنّ أكبر الإصابات التي يمكن أن تُصيبَنا هي الإصابةُ في الدين؛ من طريق التطرف العنيف، الذي ينتهك الحُرُمات الثلاث: الدم والعِرض والمال. وهي الأمور التي أوصانا رسولُ الله عليه الصلاةُ والسلام في حجة الوداع بصَونها، وصَون ديننا ومجتمعاتنا منها بكلِّ سبيل. ونحن في لقائنا اليوم في رحاب سفارة المملكة في لبنان، إنما نجدّد الوعدَ والعهدَ على البقاء ضمن هذه الثوابت. لكنّ واجبَنا يتجاوزُ ذلك، باعتبارنا الذين استجابوا لأمر الله سبحانه: {ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون}. فدعوةُ الخير ودعوةُ المعروف لا تحتمل التطرف سواءٌ أكان عينفاً أم غير عنيف.
أما وسيلةُ أو وسائل المكافحة للتطرف فيمكن جمْعُها في مصطلحين أو مفردين: التأهُّل والتأهيل. وأقصِدُ بالتأهُّل المعرفةُ بهذه الظاهرة المُفزعة من جهة، وأن نُعِدَّ أنفُسَنا بإصلاح النفس والبنية، لنستوفيَ شرطَ الأمة الوسط، المتحلية بالخير والداعية إليه. ولنتأملْ ذكْر الآية للخير والمعروف معاً وصولاً لمباشرة النهي عن المنكر، باعتبار أنّ ذلك طريق الفلاح، وباعتبار القائمين بذلك هم المفلحون. وبهذه العُدَّة نتجه للتأهيل، أي لأمْر أنفُسِنا ومن نعملُ معهم ومن أجلهم بالدعوة والتدريب وتجديد الخطاب لكي نبلغ عمل الذين أحسنوا وزيادة. 
لماذا هذا كُلُّه؟ للخروج من الحالة المذكورة في سورة الأنفال: {كالذين يُساقون إلى الموت وهم ينظرون} وهي حالةُ اليأس وقد أخبرنا سبحانه أنه لا ييأسُ من رَوح الله إلاّ القومُ الكافرون. إننا نحرِّرُ بذلك أنفسَنا ودينَنا ومجتمعاتِنا وبلدانَنا، فنخرجَ من حالة المخطوف أو ما يُشبهُ ذلك، ولا شيئَ أصعب من اختطاف الدين والدار.
أمّا الأمرُ الآخرُ الذي ذكره وليُّ العهد السعودي فيما يتصلُ بالمآل أو المآلات، فهو ضرورة العودة إلى ما قبل العام 1979، أي الاعتصامُ بالأمر الأول أو الردّ إليه، الردّ إلى إسلام الجماعة، إلى الثوابت المستقرة، والأعراف الجامعة. 
إنّ المأمولَ المرجُوَّ من الردِّ إلى إسلام الجماعة تحقيقُ ثلاثة أمور: إستنقاذ دُوَلِنا وبلدانِنا، واستعادة السكينة أو تحصيلها في ديننا، وتصحيحُ العلاقة بالعالم من حولنا. يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب مخاطباً العرب: يا معشر العُريب، إنه لا إسلامَ إلاّ بجماعة، ولا جماعةَ إلاّ بطاعة. فلنجتمع من وراء الانتماء الجامع إحقاقاً واستحقاقاً، والاجتماعُ على ذلك فيه استعادةٌ للسكينة، ونبذٌ للخلاف، وتقصُّدٌ للحقّ والخير والمعروف. وهذه السكينةُ هي سكينةُ اليقين والنجاة، لأنه كما جاء في الاثر فإنّ الجماعة رحمةٌ والفُرقة عذاب. وأخيراً فإنّ تصحيح العلاقة بالعالم، ليس فضيلةً وحسْب؛ بل هو تكليفٌ أيضاً: { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتُقسطوا إليهم إنّ الله يحب المقسطين}. فعلاقاتُ البرّ والقِسْط هي العلاقات التي ينبغي أن تسودَ بيننا وبين الناس إلاّ المعتدين على الدين والأوطان. والأمرُ ليس على ذلك اليوم، وليس من شكٍ في أنّ علاقات البر والقسط هي المحقّقة للسكينة أيضاً، فالثقةُ تكونُ بالله أولاً، ثم تكونُ ببني البشر ومعهم وقد قال أمير المؤمنين علي: الناس صنفان، أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق. فنحن لا نريد أن نخاف من العالم، ولا أن نخيفه، بل  نريد العيش فيه بأمانٍ، والتشارُك مع أممه في تقدمه وسلامه.
إننا محتاجون إلى وعي الإيمان والثقة والحماية، ووعي الانتماء، وسط هذا الخراب المنتشر، وكلا الأمرين: وعي الدين وحدةً واستظلالاً لدى ديار الحرمين وخادم الحرمين، ووعي الانتماء العربي، عند المملكة أيضاً في العمل من أجل الدين حراسةً واحتضاناً، والعروبة هويةً وانتماءً. فالوعيُ بالدين مع المملكة بحمد الله، والوعي بالدولة العربية والانتماء العربي عند المملكة أيضاً. 
لقد اجتمعنا اليومَ في هذا الموطن الخيِّر على الأمر الخيِّر، وجئنا لإعلان ذلك ثقةً بما نحن عليه، وما نقصِدُ إليه، وهو خيرٌ كلُّه، ونبلٌ كلُّه، ومروءةٌ كلُّه، ونشرُ للطمأنينة والثقة بالدين والانتماء وولاءُ، للقيادة الدينية السعودية، والقيادة السياسية السعودية.
وشكراً لسفارة المملكة على هذه المبادرة مرةً أُخرى، مبادرة الجماعة والاجتماع، ومبادرة دعوة الخير، ومبادرة السكينة في الدين، والانتماء في العروبة والدولة.
 
 
  كلمة ألقيت في احتفال للعلماء المسلمين بالسفارة السعودية في بيروت، بتاريخ 26/4/2018