خرج مؤتمر بروكسل الأخير حول لبنان ببيان ملتبس حول ما يتعلق بالنازحين السوريين الأمر الذي أدى إلى استنفار لبناني عبر عنه الرئيسان ميشال عون ونبيه بري
 

ما زالت قضية النزوح السوري في لبنان من القضايا المتقدمة على غيرها من الأزمات الداخلية اللبنانية  حيث ما زالت هذه القضية تشكل عاملًا ضاغطًا على مستويات عدة سياسية وإجتماعية وإقتصادية وأمنية، وقد شهدت الأيام الأخيرة الماضية جملة أحداث أكدت على أن التعامل مع قضية النازحين أصبحت أكبر من قدرة اللبنانيين على المعالجة وتشكل بحيثياتها مجتمعة أزمة حقيقية على المستوى الشعبي والإقتصادي والإعلامي حيث شكّلت حلقة في برنامج كوميدي على إحدى المحطات أزمة إعلامية حقيقية من جهة وأزمة علاقات بين الشعبين اللبناني والسوري، وأدت هذه الحلقة إلى سجالات إعلامية عدة اختلط فيها الإعلامي بالسياسي والإنساني لتنقلب قضية النزوح إلى مادة قابلة للإنفجار في أي لحظة.
في المقلب الآخر وعلى المستوى السياسي والإقتصادي فإن الأهداف التي خرج بها مؤتمر بروكسل حول المساعدات الإقتصادية للبنان وحول النزوح السوري في مسودته الأخيرة والذي شارك فيه رئيس الحكومة سعد الحريري على رأس وفد لبناني رفيع، هذه الاهداف بالرغم من كونها مسودة إلا أنها تنطوي على جملة ملابسات كبيرة وخطيرة الأمر الذي استدعى مواقف وبيانات عاجلة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل، حيث رفضت البيانات الصادرة كل ما ورد في بيان مؤتمر بروكسل لجهة ما يتعلق بالنازحين السوريين في لبنان واعتبرت مواقف رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي أن بيان بروكسل هو مخالفة للدستور اللبناني ولا يمكن القبول به تحت أي اعتبار سيما وأن ما يتضمنه البيان دعوة صريحة لتوطين النازحين السوريين في مؤشر خطير لأهداف مؤتمرات الدعم الخاصة بلبنان التي تعقد في أكثر من بلد.

إقرأ أيضًا: الجنون الإنتخابي تابع 6000 سيلفي!!
الأهداف المتبسة لمؤتمرات الدعم حول لبنان استفرت المسؤولين اللبنانيين واقتحم البيان الصادر عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في بروكسل بخصوص مسألة النازحين السوريين، المشهد السياسي اللبناني في جلسة مجلس الوزراء إلا أن الرئيس سعد الحريري لم يشأ الحديث عن الموضوع مكتفياً بطلب الدخول مباشرة في جدول الاعمال، ما يؤشر إلى انعدام الرؤية السياسية الموحدة بين الرؤساء الثلاثة لمعالجة هذا الأمر.
وفي حين أقرّت مصادر الوفد اللبناني، بأنها اطلعت على البيان، لكنها لم تستطع أن تفعل شيئاً لتعديله أو تغيير عباراته، قالت مصادر في وزارة الخارجية اللبنانية ان بيان رئاسة مؤتمر بروكسل – 2 الصادر عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، صدر في ليل، وتم تهريبه بعيدًا عن أنظار لبنان ومن دون علمه وموافقته، بعدما غادر الرئيس الحريري العاصمة البلجيكية، وقالت: لا ندري اذا كان الرئيس الحريري قد وضع في أجوائه وعناوينه هو والوفد الوازري الذي كان برفقته، لكن البيان تضمن فقرات جديدة علينا ولم نبحثها مسبقا مثل حق «العودة الطوعية» و «حق الاقامة» و «العمل» وربما التملك في لبنان، وغيرها من عبارات خطيرة لم نسمع بها قبلًا.
وقالت هذه المصادر ان الخطير أيضًا هو ربط عودة النازحين بالحل السياسي في سوريا، فمن يضمن أن يحصل هذا الحل خلال فترة قريبة، وهل أن بعض الدول المعنية بالأزمة السورية تريد الحل السياسي فعلًا أم أنها تتخوف فقط من هجرة النازحين إلى أوروبا وغيرها من الدول؟ وأضافت: أن 300 الف سوري يغادرون لبنان سنويا الى سوريا ويعودون اليه، فهل هم نازحون فعلًا أم أنهم مستفيدون من المساعدات التي يحصلون عليها هنا وهناك؟

إقرأ أيضًا: الخطاب الإنتخابي يكشف هشاشة الواقع اللبناني؟

المواجهة:
المواجهة اللبنانية لمقررات المؤتمر بدأها الوزير جبران باسيل حيث أعلن رفض لبنان لكل ما ورد في مقررات المؤتمر حول النازحين السوريين وأنهم يستكمل العمل على هذا الأمر.
رئاسيًا فقد أعلن الرئيس عون في بيان عاجل يوم أمس رفضه للبيان واعتبر أن هذا البيان يتعارض مع الدستور ومع القسم، ويعرض الوطن للخطر، لأن مؤداه توطين مقنع للنازحين السوريين في لبنان، لافتاً النظر إلى أن لبنان «تعامل مع أزمة النزوح السوري من مبدأ علاقات الأخوة والواجب الانساني»، مشددًا على أن «الحل المستدام الوحيد لازمة النزوح في لبنان هو في العودة الامنة والكريمة للنازحين السوريين إلى المناطق الممكنة داخل سوريا مع احترام مبدأ عدم الاعادة القسرية، لا سيما وأن العديد من المناطق السورية بات يسودها الأمن»، ومؤكدًا على انه من «غير الجائز ربط عودة النازحين بالحل السياسي في سوريا، أو ربط إعادة الاعمار بالحل نفسه».
أما الرئيس برّي فقد أعلن رفضه هو أيضًا للبيان باسمه وباسم المجلس النيابي اللبناني مجملاً وتفصيلاً، فقد رأى في بيان له بأنه يضمر لنا التوطين، كما يضمر لسوريا التفتيت والتشريد والتقسيم ليس فقط للأرض وإنما أيضاً للانسان العربي السوري، مذكراً بأنه سبق وطالب مراراً وتكراراً التنسيق مع الحكومة السورية لإعادة النازحين السوريين إلى المناطق التي أصبحت آمنة، متمثلاً بعودة قسم من النازحين من شبعا إلى ديارهم، لكن الحكومة اللبنانية بقيت كأنها لا تسمع ولا ترى.
والصامت الأكبر في هذه الأجواء الملتبسة هو رئيس الحكومة سعد الحريري الذي حضر المؤتمر ولم يتخذ أي موقف رافض لما ورد في بيان بروكسل ما يطرح المزيد من علامات الإستفاهم حول وحدة الموقف اللبناني.
وأمام هذا المشهد يبقى الرهان على قدرة الموقف اللبناني الرافض لهذه القرارات التي لم تكن أصلًا في مصلحة لبنان منذ أول مؤتمر عقد تحت عنوان مساعدة لبنان ولحد اليوم.