أكثر ما يُضحك مسؤولاً كبيراً في هذه الفترة، هو إصرار التيار الوطني الحر على الإعلان بأنه سيحقّق انتصاراً كاسحاً في انتخابات السادس من أيار، ويقول هو حرّ في إصراره، وفي ما يقوله، لكن 6 أيار صار على الباب.
 

التيار، كما يقول المسؤول المذكور، «حر في أن يقول ما يشاء، وأن يتوقّع ما يشاء، وأن ينظر ساعة يشاء إلى مرآة مكبّرة، ويرسمَ لنفسه الحجم الذي يريده، ولكن في 6 أيار، «المي ستكذّب الغطاس»، وإذا ربح صحتين على قلبو، ولكن إذا خسر ماذا سيفعل، أعتقد أنه كلام «تحميسي»، وأنا أميل الى الاعتقاد بأنّ السادس من أيار سيُظهر حقيقة أنّ هذا التحميس فارغ، هذا لا يعني أنه لن يربح مجموعة مقاعد بعض الدوائر، لكن إذا زادت حصته النيابية عن حصته الحالية بيكون أبو زيد خالو».

لا يريد المسؤول المذكور، الدخولَ في لغة الأرقام، خصوصاً وأنّ من يأتي بها، يرفعها ويخفضها تبعاً لرغباته، وعلى نحو يعاكس تماماً المزاجَ الشعبي الذي يسبح في بحرٍ آخر خارج تلك الأهواء والرغبات، وهنا يجب علينا أن نتوقع الكثير من المفاجآت، في غالبية الدوائر.

وفي سياق تقييمِه لهذه الصورة، يتندّر المسؤول على حادثةٍ بالغة الدلالة والتشكيك بصدقيةِ ما يُرمى من أرقام في هذه الدائرة أو تلك، ويقول: لا أثق بالارقام أصلاً لأنني لا أؤمن بالتنجيم، تصوّروا أنّ ماكينات أحدِ التيارات السياسية، أعطته نسبة أرقام يربحها في إحدى الدوائر، أعلى من العدد الحقيقي للناخبين فيها، وقد جاء من يَكشف لي أنّهم بدأوا منذ الآن يعدّون لمرحلة ما بعد الانتخابات، سلّموا على مضض برئاسة نبيه بري للمجلس النيابي، وحسَموا طبعاً رئاسة الحكومة لسعد الحريري، إلّا أنّهم من جهة ثانية، بدأوا بتوزيع المناصب الاخرى دون أيّ اعتبار للخريطة النيابية وللتوازنات الجديدة التي ستنشأ بعد الانتخابات، فحسَموا نيابة رئاسة المجلس لأحد مرشّحيهم، وأكثر من ذلك فقد رسموا المسار الحكومي في المرحلة المقبلة على طريقتهم، ووزّعوا الحقائب على سائر القوى السياسية، وطبعاً انتزعوا وزارة المال من يد نبيه بري، حقيقةً لم يسبقهم أحد على هذا الاستسهال، وعلى هذا الاستعجال الغريب»؟!

هذه العقلية، كما يقول المسؤول نفسُه، هي مسبّبٌ أساس لمعاناة البلد، ولا تقلّ سوءاً عن القانون الانتخابي الحالي، الذي مرّ في لحظة طيشٍ سياسي، نسَفت كلّ الطموحات التي علّقها اللبنانيون على قانونٍ يَنقلهم من زمنٍ إلى زمن، فإذا به يُعيدهم الى الوراء بنسفِ معنى النسبية وجوهرِها، وبالإطاحة بصحة التمثيل. وهنا أنا لا أتردّد في القول بأنّني مع نسفِ هذا القانون من أساسه.

وفي أيّ حال صارت الانتخابات على الأبواب، وكما يبدو ستجري في موعدها من دون أيّ عوائق ، ولكنّني ما زلتُ أخشى من أن نقع في إرباك كبير وفي عدم الفهمِ لهذا القانون، ليس فقط في يوم الاقتراع بل في طريقة احتساب الأصوات والحواصل والكسور وما شاكلَ مِن التفصيلات التي ليس لها أوّلٌ وليس لها آخِر. حتى الآن لم أفهم كيف سيصوّت المغتربون، ولا الطريقة التي سيتمّ فيها نقلُ أصواتهم من الخارج إلى بيروت، ومَن يستطيع ان يضمنَ ألّا تتعرّض هذه الأصوات الطائرة للعبث، وبالتالي التشكيك بها؟

هنا، والكلام للمسؤول المذكور، أنا أتّفق مع كلّ التوصيفات التي أطلقَها وليد جنبلاط على هذا القانون من «قانون المسخَرة»، إلى «القانون الخنفشاري»، إلى «القانون المعقّد وغير المفهوم»، ولعلّ أطرفَ توصيفٍ أطلقَه، هو الموّال الاعتراضي على هذا القانون، والذي استعاره من إحدى الأغنيات الشعبية، وأورَده في إحدى تغريداته: هذا قانون «ريدوني ما مِنريدك .. شَب منيح ألله يزيدك». ليس سرّاً أنّ اعتراض جنبلاط على هذا القانون، مردُّه بالدرجة الأولى إلى أنه قانون مفروض عليه فرضاً، وكان يفضّل قانونَ الستّين أو ما يشبهه.

وهنا أيضاً، يتابع المسؤول، أتّفقُ مع التوصيف الذي أطلقَه الرئيس الياس المر على القانون الحالي بأنه «قانون الغدر»، و»قانون التجليطة». ومِن حقّ المر أن يقول أكثرَ مِن ذلك، ومِن حقّه أن يعبّر عن الوجع، ليس الوجع الشخصي والعائلي، بل الوجع ممّا تتعرّض له المتن من محاولة لإخضاعه على يدِ فئةٍ سياسية احترَفت زرع العبوات الناسفة للتفاهمات الهادئة في كلّ الدوائر، ولم توفّر حتى تلك الدوائر التي ليس لها وجودٌ فيها، إذ دفعتها نزعتُها الإقصائية والإلغائية والفوقية إلى «العربشة» على بعض اللوائح ومصادرتِها والنطقِ باسمها فقط من باب الاستفزاز!

ويَسترسل المسؤول فيقول، لقد عاصرتُ الانتخابات النيابية في مراحلها كلّها تقريباً، ما قبلَ الطائف وبعده، وشهدتُ التنافسَ كيف كان يحصل بين المرشحين، لكن لم يسبق لي أن مرَّ عليَّ هذا السلوك اللاأخلاقي الذي تعاطوا فيه مع «أبو الياس»، لم أشهد في حياتي مثلَ هذه اللصوصية وهذا الغدر، ما أسوأ هذا الزمن، لقد وثقَ بهم، فرموا في بئره حجراً، وأكلوا من صحنه، فلحسوا ما في الصحن عن بِكرة أبيه وكسروه.

وهنا يَسحب المسؤول ورقتين، يتمعّن فيهما قليلاً، ثمّ يقول: قبل أيام جاءني مسؤول في أحد الأحزاب المتحالفة مع التيار، وقدّم لي صورةً عن دائرة المتن، ولم يفاجئني حينما قال: أكون كاذباً لو قلتُ إنّ هناك انسجاماً في اللائحة المشتركة مع التيار، فأرمنُ الطاشناق في هذه الدائرة يشعرون بأنّ الأرض تتحرّك من تحتِهم لغير مصلحتِهم - ما كان عليهم أن يشاركوا في المؤامرة على أبو الياس - وأمّا الحزب القومي، فصار يَخشى ألّا يوفّقَ مرشحُه، لأنّ اللائحة كناية عن مربّعات كلُّ طرفٍ يشدّ في اتّجاهه حصراً، فالتيار همُّه الأساس أن يربحَ مرشّحوه فقط عبر مصادرة الأصوات التفضيلية لهم دون غيرهم، وعلى هذا الأساس تتحرّك ماكينتُه من دون التنسيق معنا، فقط هي تنسّق مع أموال سركيس سركيس، وبناءً على هذا المنحى، صار الحزب القومي يَخشى أن تتحوّل أصوات القوميين في المتن، مِن أصوات فاعلة ليفوزَ مرشّح الحزب، إلى مجرّد أرقام من أجلِ تأمين حواصل إضافية تفيد مرشّحيهم فيفوزون على حساب مرشّحِ الحزب، وثمّة نقاشٌ جدّي داخل الحزب حول هذه المسألة.

ويتابع المسؤول نفسُه كلامَه، فيقول يبدو أنّ الغدر سِمةٌ ملازمة لهذا الفريق، والقوميّون بحسب المعطيات التي أملكُها، يخشون أن يُغدرَ بهم. والياس المر تحدَّثَ عن الكتائب وشرَّح العلاقة التاريخية معهم، ووصَل إلى خلاصة أنّهم أخطأوا وعزَلوا أنفسَهم، بل غَدروا بأنفسِهم بإرباك القاعدة المشتركة بينهم وبين الرئيس المر. ولكنْ حتى الآن لم أفهم لماذا شارَك الطاشناق في مؤامرة الغدر ضدّ «أبو الياس» ولا أعرف لماذا فعلوا ذلك، حقيقةً لم أستطع أن أبلع هذا الأمر، وصاروا يعرفون موقفي هذا بكلّ صراحة.

ولكن ماذا عن النتائج؟

يسارع المسؤول إلى جوابٍ حاسم: لا أعتقد أنّهم سيتمكّنون من أن يَهزموا «أبو الياس»، وأعتقد أنّهم (الغدّارون) في هذه الصورة، ثمّ يتابع بكلام شديد الدلالة والتعبير، لا أحد يعرف المتن أكثر من أبو الياس، ولا أحد أدرى منه بكلّ تفاصيله، وليسألوا درجَ «العمارة»، الذي ارتقاه المتنيّون بلا عناءٍ، ولو أمكنَ له أن ينطق، لعدَّد أسماءَ كلّ الذين لطالما تزاحموا عليه بالعشرات والمئات في الكثير من المحطات لطَرقِ بابِه، حتى لا نقول أكثر من ذلك، ومِن بين هؤلاء مَن شَهر اليوم سيفَ الغدر في وجهه.

ويَخلصُ المسؤول إلى القول: نحن نعرف أبو الياس وتاريخَه، قد تلتقي معه في السياسة وقد لا تلتقي معه في بعض الأحيان، ولكنّ معرفتنا به لا تُقاس مع معرفة المتنيّين له، الذين خبروه كشخصية، أو بالأحرى كحالةٍ استثنائية بتفاعلِها مع الناس وخصوصاً في المتن، وكزعامة يَعرف خصومُه قبل أصدقائه أنّها متجذّرة. وبالتالي رغم الهجمة الشرسة عليه وقوّةِ الإلغاء المسلّطة عليه والكمائنِ التي نُصِبت له، أكاد أجزُم بأنه سيُحدِث مفاجأةً في اللحظة الأخيرة، وخروجُه من هذه المعمودية منتصراً سيَعني الكثير.

وقد استوقفَتني تهنئةُ ابنِه الياس المسبَقة له، وأنا أصدّقها، ليس من باب المجاملة، وليس لأنّ الياس ملتزم أدبياً وسياسياً وأخلاقياً وعاطفياً بما يمثّله والدُه من تاريخ وزعامة، بل لأنّ الياس يَعرف كوالده النبضَ المتنيّ، ويَفهم أكثرَ مِن غيره معنى أن يَخرج ميشال المر من الحرب الإلغائية التي تشَنُّ عليه.. منتصراً.

يتقاطع كلامُ المسؤول المذكور، مع ما يُقال في المتن في هذه الأيام، بأنّ أيار هو شهرُ الاختيار بين أن تصبحَ هذه المنطقة طيّعة لوصاية جديدة تريد إخضاعَها والتحكّمَ بها وتوظيفَها لخدمةِ غاياتها الغريبة عن هذه المنطقة وأبنائها، وبين وصايتِها هي على نفسها فتحفظُ تاريخَها وحاضرَها ومستقبلها. وفي أيّ حال إنّ 6 أيار لناظره قريبُ.