مع تأسيس حزب الله وبداية عمله العسكري المقاوم، كان السؤال الموجه إلى المقربين منه أو إلى مسؤوليه عن وضعيته السياسية، يلقى جواباً واضحاً: "نحن حركة جهادية والعمل السياسي يأتي لخدمة هذه الحركة". الآن، انقلبت الآية، وأصبح العمل الجهادي يهدف إلى خدمة الوضعية السياسية. يظهر ذلك في الحملات الانتخابية التي يطلقها الحزب ويخوض عبرها معركته الانتخابية في مختلف المناطق، عبر شعار "الوفاء للدم، والوفاء للشهداء". كلها دلائل على أن حزب الله يريد تجييش جمهوره لانتخاب مرشحيه، وفاءً للتضحيات التي بذلها الحزب في الدفاع عنهم وعن مناطقهم. وهذا أبرز دليل على التحول في مواقف الحزب، بالنسبة إلى دوره السياسي، الذي سيتوسع بعد الانتخابات.

يرتبط ذلك في تبرير الاطلالات المكثّفة للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، الذي لم يكن يخرج على جمهوره بهذا الكمّ من الخطابات، ولم يكن يخصص لقاءً لكل دائرة، لحثّهم على التصويت، ولإجراء مفاضلة بين التضحيات ودماء الشهداء وبين الإنماء. ويمهّد نصرالله في مجمل خطاباته إلى المرحلة المقبلة التي سيتركز اهتمام الحزب فيها على مكافحة الفساد وتعزيز التنمية في المناطق المحرومة. العنوان الآن، هو أن الانتخابات هي استفتاء على وجود المقاومة ودورها. وبعد الانتخابات، سيقرن بقاء المقاومة والحفاظ على دورها، بعملها على مكافحة الفساد، وتطوير البنى الاقتصادية والاجتماعية.

في موازاة العمل على مكافحة الفساد، فإن الحزب يحضّر لإطلاق رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة بعد الانتخابات. وهذا ما يعد نصرالله جمهور الحزب به. ولا ينفصل عن موقف الحزب من حماية الحدود والنفط والغاز، كما كانت حاله مع الحفاظ على الحدود البرية الجنوبية والشرقية. هذه العناوين تحملها ماكينة الحزب الانتخابية، وتعمل على شرحها للناس وتفصيلها عبر الربط في ما بين شقيها، العسكري والإنمائي. ولهذا، تصرّ ماكينة الحزب على وجوب عدم سقوط أي مرشّح شيعي له أو لحركة أمل. وهذا ما جرى الإعداد لتجنّبه بكثير من الدراسات بشأن آلية توزيع الأصوات التفضيلية في مختلف الدوائر. وتعمل الماكينة الانتخابية على خطوط عديدة. ففي بعض الدوائر سيكون التركيز على توزيع الأقلام لمنح الأصوات التفضيلية لكل مرشّح. وفي دوائر أخرى، سيكون الارتكاز على العائلات، أي أن هذه العائلة ستمنح الصوت التفضيلي لهذا المرشّح، والعائلة الأخرى لمرشّح آخر. وهذا بعد إجراء عملية مسح دقيقة لعدد أصوات العائلات. وهناك مندوبون متحرّكون يتولّون مواكبة الناخبين في توزيع الأصوات التفضيلية.

يعرف الحزب أن في بعض الدوائر هناك كثيراً من الأصوات الفائضة. وهذا ما سيتم توزيعه بعناية على بعض الحلفاء، كبعلبك- الهرمل والجنوب الثالثة. لكن الحزب، إلى حدّ ما، يسلّم بحصول المستقبل والقوات على نائبين في البقاع الشمالي. أما في الجنوب، فهناك صعوبة في حصول اللائحة على حاصل. ولكن الأهم بالنسبة إلى الحزب هو عدم خسارة أي مرشّح شيعي. والمعركة الأساسية التي يخوضها حزب الله بعد الاطمئنان نسبياً إلى المقعد الشيعي السادس في البقاع الشمالي، هي دائرة كسروان- جبيل، حيث يلم أن المعركة شرسة لإنجاح مرشحه حسين زعيتر. وهناك دوائر أخرى، لن يكون توفير الفوز فيها للمرشحين الشيعة سهلاً أو سلساً، لكن في النهاية سيكون الحزب قادراً على ضمان هذه المقاعد، كدائرة بيروت الثانية مثلاً.

وبعد، ضمان المرشحين الشيعة، يولي الحزب اهتماماً أساسياً لحلفائه من الطوائف الأخرى، إذ سيجيّر أصوات مناصريه للحلفاء في مختلف الدوائر، كصيدا- جزين، التي يتوقع أن تصل نسبة إقتراع الشيعة فيها إلى 8 آلاف في جزين و4 آلاف في صيدا، سيصبون لمصلحة ابراهيم عازار وأسامة سعد. والحال نفسها تنطلق على دوائر أخرى.

في البترون، يلتزم الحزب بتصويت مناصريه لمصلحة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. ورغم الخلافات التي تعتري العلاقة بين الطرفين، فإن الحزب لن يتخلى عن التيار، ويولي لعلاقته معه أهمية استراتيجية. أما الأساس فسيكون لمرحلة ما بعد الانتخابات، إذ سيكون هناك تعاطٍ سياسي جديد مع التيار الوطني الحر، على المستوى الوزاري وبعض الملفات الشائكة بما فيها التعيينات والكهرباء. فالحزب لن يكتفي بالمواقف التي ستكون بلا موقف، أي التي لا تؤدي إلى حصول إشكالات أو خلافات، وسيتخذ مواقف واضحة حتى وإن تسببت بإشكالات مع حلفائه. والأساس يبقى على عقد اجتماع مهم بين حزب الله والتيار بعد الانتخابات، لوضع النقاط على الحروف، وسيشرح حزب الله رؤيته الصريحة لهذه المواضيع التي كانت تتسبب بإحراجه في البيئة اللبنانية.