تحضّر لبنان جيداً للمؤتمرات العالمية بهدف تحصيل مبالغ مالية من الدول الكبرى بأشكال عدة. وكانت بدايتها القروض "الميسرة" والهبات بقيمة 11.8 مليار دولار أميركي قُدمت للحكومة اللبنانية خلال مؤتمر "سيدر" الذي أُقيم في العاصمة الفرنسية باريس. ونتيجتها طلب إصلاحات اقتصادية تُترجم بخطوات سياسية وتشريعية تضمن استقرار البلاد. وفي ما يخص أزمة اللجوء السوري، أتى مؤتمر بروكسيل في اليومين الاخيرين، والمخصص لدعم النازحين السوريين والتي سيكون للبنان حصة نقدية منه قد تساعده على حل هذه الأزمة. فما هو مؤتمر بروكسل-2؟ ومن يشارك فيه؟

هذا هو مؤتمر بروكسيل وأهدافه

يُعقد حالياً مؤتمر للهيئات المانحة لسوريا في العاصمة البلجيكية بروكسيل، بهدف ايجاد تمويل دعم الدول التي تحتضن اللاجئين السوريين، والذي يُقدّر عددهم بنحو 5 ملايين نازح يعيشون في الدول المجاورة، و6.1 ملايين يعيشون داخل الاراضي السورية، إضافة إلى تشجيع تسريع مفاوضات جنيف برعاية الأمم المتحدة، وهو المؤتمر الثاني. شارك في مؤتمر بروكسيل دول مانحة ومنظمات غير حكومية ووكالات أممية، أي نحو 85 وفداً في الوقت الذي يُحقق فيه خبراء دوليين حول الهجوم الكيميائي المفترض في 7 نيسان على دوما القريبة من العاصمة السورية دمشق. واستمر المؤتمر ليومين، خُصص اليوم الأول منه لإجراء محادثات مع المنظمات الإنسانية العاملة في سوريا ولبنان والأردن وتركيا. بينما كان اليوم الثاني سياسياً أكثر باجتماعات لوزراء، وتمثل الاتحاد الأوروبي بـ 12 وزير خارجية وستة وزراء مكلفين بالتنمية وخمسة وزراء دولة.

مؤتمر بروكسيل 1

عُقد العام 2017 مؤتمر بروكسيل 1 للأسباب ذاتها، بحضور 70 دولة ومنظمة ومؤسسة مالية، تم من خلاله جمع نحو 7.5 مليارات أورو من الهبات لسوريا. برز بعضها على أرض الواقع من خلال تقديمات المؤسسات الخيرية والمنظمات غير الحكومية في حين يبقى القسم المُقدّم للحكومات ومنها الحكومة اللبنانية يتخبط ما بين التحسّن أو الاستمرار بالأزمة.

خلال مؤتمر بروكسيل 2

اعتبر رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية مارك لوكوك أنه "بالموارد التي يمكن أن نتوقع الحصول عليها هذا العام لا يمكننا حتى تلبية كل الاحتياجات الملحة"، مضيفاً إن مبلغ 3.5 مليارات دولار ضرورية للمساعدة الإنسانية في سوريا و5.6 مليارات دولار لدعم اللاجئين في دول الجوار.

وأعلنت الحكومة البلجيكية أنها ستخصص 26 مليون أورو للمساعدة الإنسانية لسوريا والدول المجاورة لها، مضيفةً على لسان وزير التنمية البلجيكي أن هذه الأموال ستُخصص للاجئين في المنطقة. وقال: "مع هذا المؤتمر في بروكسيل يريد المجتمع الدولي إرسال إشارة قوية أن الحل السياسي وحده هو الذي يمكن أن يضع حدا للصراع في سوريا وأن الحل الوحيد المستدام يأتي فقط عبر طاولة المفاوضات". كما شدد الوزير على ضرورة مكافحة الإفلات من العقاب "ويجب ألا تبقى جرائم الحرب من دون عقاب". 

بدورها، تُقدّم ألمانيا مليار أورو لسد الاحتياجات الإنسانية للشعب السوري العام 2018، كما تعهدت الخارجية الألمانية بتقديم مليار يورو للسوريين في الداخل والخارج، على أن يضاف عليها مبلغ 300 مليون أورو خلال النصف الثاني من العام الحالي. 

تخوّف من الأزمة السورية وتداعياتها الانسانية

حذرت الأمم المتحدة خلال اليوم الأول من مؤتمر بروكسيل من كارثة إنسانية جديدة في سوريا في إدلب، إذ اعتبر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا في مؤتمر صحافي مع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني: "نحن كنا ولا نزال قلقين إزاء الجانب الإنساني في إدلب، لأنها التحدي الكبير الجديد مع 2.5 مليون شخص. بالطبع لن تصدقوا أنّ جميعهم إرهابيون، ففيهم النساء والأطفال والمدنيين. لذا؛ نأمل أن تكون هذه مناسبة لضمان ألا تتحول ادلب إلى حلب جديدة أو الغوطة الشرقية الجديدة لأن الأبعاد مختلفة هنا تماماً". 

من جهتها، شددت موغيريني التي شاركت في إعداد المؤتمر "نحن بحاجة إلى مفاوضات جدية بأسرع وقت في جنيف ولا بد أن تشارك فيها دمشق"، مضيفة "بدون حل سياسي نحن نتجه نحو كارثة". وتابعت "لقد شاهدنا تدهور الوضع بشكل كبير منذ مطلع العام. لقد نزح نحو 700 ألف شخص في سوريا خلال أربعة أشهر". وتتوقع موغيريني في هذه المناسبة الحصول على دعم لاستئناف المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في جنيف.

كما دعت موغيريني ودي ميستورا روسيا وإيران وتركيا إلى بذل مزيد من الجهود للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في سوريا.   

مؤتمر بروكسيل "اللبناني"

محلياً، ترأس الوفد اللبناني رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، واستقبل خلال اليوم الأول في مقر إقامته في بروكسيل وفداً من جمعيات المجتمع المدني التي تشارك في مؤتمر "دعم مستقبل سوريا والمنطقة".

وأكد الحريري "أننا نعمل مع المجتمع الدولي لكي نساعد المجتمعات المضيفة لتحمل أعباء النازحين. وكل الأموال التي ستقدم، يجب أن تكون على شكل هبات، وهذا ما نسعى إليه"، مضيفاً "سنبحث بما آل إليه الحل السياسي، ونحن مع أن يكون هناك حل سياسي في أسرع وقت ممكن. كما أننا نرى أن أي تأخير في إيجاد هذا الحل يضر النازحين كما يضر لبنان. لذلك على المجتمع الدولي أن يكون أكثر حرصا، وأن نعمل جميعا معا لكي يكون هناك حل سياسي نهائي في سوريا". 

وفي اليوم الثاني، استقبل رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال الحريري في مقر رئاسة الوزراء البلجيكية، وأجرى معه محادثات تناولت الأوضاع في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين، في حضور السفير اللبناني في بلجيكا فادي الحاج علي ومدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري. كما التقى الحريري في مقر المفوضية الأوروبية، وزير خارجية اليابان تارو كونو، وعرض معه أوضاع النازحين السوريين في لبنان والعلاقات بين البلدين.

والتقى أيضاً وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وبحث معه في الأوضاع العامة والعلاقات بين البلدين. ومن بعدها التقى وزيرة الخارجية والتربية والثقافة في إمارة ليختنشاتين أورليا فريك ومساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى دافيد ساترفيلد، ومساعد وزير خارجية ألمانيا هيكو ماس.

وخلال الجلسة الافتتاحية من اليوم الثاني، ألقى الحريري كلمة أشار فيها إلى أنّ "لبنان يستمر في إظهار حسن ضيافة وكرم وتضامن استثنائيين مع النازحين السوريين، في وقت تستنزف وتنهك قدرات المجتمعات المضيفة والبنى التحتية والخدمات الحكومية".

وأضاف: "رغم جهودنا المشتركة، فإن الظروف قد تدهورت ويبقى لبنان مخيما كبيرا للاجئين... لقد ازدادت التوترات بين النازحين السوريين والمجتمعات المضيفة في الآونة الأخيرة، ويعود ذلك من جهة إلى التنافس على الموارد وفرص العمل الشحيحة، ومن جهة أخرى لأن المجتمعات المضيفة قد رأت أن ظروفها الاقتصادية والاجتماعية قد ازدادت سوءا نتيجة الأزمة".

وأكدّ أنّه "خلال العام الماضي، ورغم كل هذه التحديات التي واجهناها، استمرينا بالتمسك بالالتزامات التي تعهدنا بها في مؤتمر بروكسيل الأول. فقد تنازلت الحكومة اللبنانية عن رسوم الإقامة للاجئين، ما سمح لهم بتجديد إقاماتهم بشكل قانوني وتخفيف العبء المالي عنهم. كما اعتمدت الحكومة تدابير مهمة لتسهيل تسجيل ولادات أطفال النازحين المولودين في لبنان. وسهلت الحكومة أيضا تسجيل الزواج في حال كان أحد الزوجين لديه إقامة قانونية. ومؤخرا، فإن الأطفال النازحين الذين بلغوا الـ15 سنة من عمرهم في لبنان، والذين لا يحملون هويات جوازات سفر سورية، بات بإمكانهم تقديم مستخرج مدني لتأمين الإقامة الشرعية. وتم إحراز تقدم مهم في قطاع التعليم والصحة، ونجحنا في تحقيق الاستقرار في البلد، في وقت بقينا نستضيف مليون ونصف مليون نازح".

وتابع: "على الرغم من كل التقدم والإنجازات التي حصلت خلال السنوات الماضية، لا يزال لبنان يواجه تحديات، ولا تزال الاحتياجات كبيرة والموارد نادرة. ورغم كل الجهود التي نبذلها، فإن احتمالات عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان حقيقية وكذلك إمكانية تطرف الشباب اللبنانيين والسوريين العاطلين عن العمل. وقد تؤدي الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة إلى زيادة الاستياء الاجتماعي، ما قد يؤدي إلى اضطرابات وعنف وتهديد للاستقرار السياسي والأمني، ما سيعطي حافزا للنازحين للبحث عن ملاذ آمن في مكان آخر. إنه من الأهمية بمكان أن نستمر في العمل معا لعكس الاتجاهات السلبية، سواء من خلال المساعدات الإنسانية أو مشاريع التنمية التي من شأنها المساعدة على تحسين سبل عيش النازحين والمجتمعات المضيفة. كيف يمكننا القيام بذلك؟ دعوني اشرح أولوياتنا: 

أولا: يجب أن تموّل خطة لبنان للاستجابة للأزمة بشكل مناسب. إن مساهمات الجهات المانحة في برنامج خطة لبنان للاستجابة للأزمة للعام 2017 بلغت 1.2 مليار دولار أميركي، ما يمثل 45 في المئة من مطلب لبنان الأساسي البالغ 2.7 مليار دولار أميركي. ويشكل طلبنا 6 في المئة من الكلفة التي قد تتحملها الدول الأوروبية لو استضافت مليون ونصف نازح، والإنفاق يشكل 3 في المئة. ولا تزال الاحتياجات كبيرة، خاصة في قطاعي الصحة والمعيشة. ومطلبنا للعام 2018 هو أيضا حوالي 2.7 مليار دولار، مع انفاق بلغ حتى الآن 11 في المئة فقط. 

ثانيا: يجب ضمان التزامات متعددة السنوات لتأمين استدامة مشاريع على عدة سنوات مثل "الوصول إلى جميع الأطفال بالتعليم RACE II". 

ثالثا: يجب زيادة الدعم المقدم للمجتمعات المضيفة على الأقل إلى 100 مليون دولار سنويا، لتمويل مشاريع البنى التحتية الصغيرة، خاصة في مجال إدارة المياه والنفايات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومراكز التنمية الاجتماعية ومشاريع تنمية البلديات المحلية. 

رابعا: دعم تطوير نظام الحماية الاجتماعية اللبناني، لا سيما توسيع وزيادة نطاق البرنامج الوطني لاستهداف الفقر، من خلال تأمين 125 مليون دولار أميركي على شكل منح خلال السنوات الخمس المقبلة. 

خامسا: دعم الإطار الاستراتيجي الوطني للتعليم والتدريب التقني والمهني (TVET) الذي طورته الحكومة اللبنانية بدعم من اليونيسف ومنظمة العمل الدولية، تماشيا مع أهداف التنمية المستدامة، من أجل تعزيز نظام يمنح الشباب والعاملين الكفاءات والمهارات التي يحتاجونها للحصول على عمل لائق والسماح للشركات بتوظيف القوى العاملة التي تحتاجها لنموها". 

وختم الحريري بطلب الدعم لإعادة إعمار مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، وأيضاً دعم لبنان ككل في هذه المهمة.

ورغم الحوارات والتقديمات التي تُعطى للشعب السوري، إلا أنّ بعض الديبلوماسيين عبّروا عن استيائهم، معتبرين أنّ سوريا ليست البلد الوحيد الذي يحتاج إلى مساعدات إنسانية، خصوصاً بعد تعهد المشاركين في مؤتمر بروكسيل الأول بشأن سوريا في العام 2017 بتقديم 7.5 مليارات دولار أميركي، لكن واقعياً لم يصل سوى نصف المبلغ، فهل ستكون نتائج بروكسيل - 2 ذي فائدة على سوريا والبلاد المجاورة أم ستبقى أزمة سياسة واقتصادية وانسانية لا يُعرف مصيرها؟