أظهرت أرقام الإنفاق الإعلاني في السّوق اللّبناني، عند نهاية الفصل الأوّل من السّنة الحاليّة، أن النّتائج جاءت مخالفة للتّوقّعات. 

فقد جرت العادة أن تقوم كل من شركتي "زينيث أوبتيميديا" و"كارات" وهما الشّركتان الأكبر خبرة عالميّاً، على انتقاء وتسمية المناسبات والأحداث المتوقّع أن تؤثّر على زيادة 

المخصّصات الإعلانيّة وبخاصّة لدى الشّركات العالميّة الكبرى، وذلك لرعاية أو تكثيف الحملات الإعلانيّة خلال المناسبات الكبرى كالألعاب الاوليمبيّة أو مباريات كأس العالم أو 

المناظرات الانتخابيّة. وكذلك فترات ما بعد الحروب والانقلابات والثّورات وانتشار الأوبئة لتخفيض أو لوقف الحملات الإعلانيّة. 

بعد استعراض المناسبات والأحداث هذه تقوم كلتا الشّركتين بإصدار توقّعاتهما في بداية كل سنة عن كيفيّة عمل أسواق الإعلان عامة. 

توقّعات العام 2018 توافقت على ارتفاع بنسبة 4.2% في جميع أسواق الإعلان حول العالم، باستثناء منظقة الشّرق الأوسط التي استنتج هؤلاء الخبراء أن الانفاق الإعلاني فيها سيتراجع

بنسبة 18.6% وذلك بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور كما هي الحال في لبنان والذي كان حديث الصّحافة العالميّة في نهاية السّنة الفائتة، عندما نشرت الشركتان توقّعاتهما. كذلك بسبب 

الحروب والقلاقل والثّورات والخلافات السّياسيّة التي لم تتوقّف في بقيّة الدّول العربيّة، بالإضافة إلى عدم التّحسّن في سعر البترول العامل الأكثر تأثيراً في دول الخليج. 

إحصاءات الانفاق الإعلاني في لبنان الصّادرة عن شركة "ستات إيبسوس" أظهرت زيادة بقيمة 7.815.979 دولاراً بين الأشهر الثّلاثة الأولى من سنة 2017 وسنة 2018 أي زيادة  بنسبة 2.24% بالرّغم من كل ما أذيع ونُشر وقيل عن الوضع الاقتصادي هنا. ولكل من يظن أن هذه الزّيادة ضئيلة ولا تستحق أي تنويه، نسارع لنذكّر أن الإعلان هو الميزان الحسّاس للأسواق، لأنّه يبقى دائماً ضحيّة الإنقاص والإلغاء عند كل تغيير في الوضع الأمني أو السّياسي أو الاقتصادي. 

كذلك علينا أن نقارن نتائجنا في لبنان ببقية الأسواق العربية في نفس الفترة حيث شهد سوق الإعلان في البحرين تراجعا بنسبة 19% وفي مصر 17% وفي السّعوديّة 9.7%. 

الرّابح الأكبر بين وسائل الإعلان في لبنان هو التلفزيون الذي زاد الانفاق الإعلاني عبره بنسبة 3.82%، بينما كان الخاسر الأكبر هو الإعلان المطبوع (الصّحف والمجلّات) التي  هبطت نسبة الانفاق بواسطتها 28.85% كما هي الحال في جميع الأسواق. 

الأرقام المرفقة ينقصها المبلغ الكبير الذي صرف على الإعلان عبر الوسائل الإلكترونيّة وشبكات التّواصل الاجتماعي لعدم توفّر أرقام صحيحة لتقدير حجم الإنفاق عبرها.

كذلك علينا أن لا ننسى أن كل الأرقام هذه جرى احتسابها بالرّجوع إلى لوائح أسعار الإعلان المنشورة لكل وسيلة، في حين سيطر مبدأ الحسومات الكبيرة على إعلان التلفزيون بصورة 

خاصّة، ما جعل مجاميع الإعلان التّلفزيوني تمثّل عشرة أضعاف المصروف الفعلي كما أجمع المراقبون. 

الملاحظة المهمّة قبل إسدال السّتار على هذا التّقرير، هي أن سوق الإعلان في لبنان سيرتفع ارتفاعاً كبيراً خلال الفصل الثّاني نتيجة للميزانيّات المرتفعة من قبل كل الأطراف المشاركة في الانتخابات البرلمانيّة من وزارات وأحزاب ومرشّحين، كما نشاهد من حولنا على شاشات جميع محطّات التّلفزيون واللّوحات الخارجيّة. 

ما زال أمامنا 14 يوما من المتوقّع أن تحتدم فيها المنافسة بين الأحزاب والمرشّحين الى مستوى لم نختبره من قبل. 

من الواضح أن فن تسويق المرشحين بات يعاني فرقا شاسعا بين النواب الذين قاموا بنشاط ترويجي مماثل منذ 19 عاما وما زالوا يرفعون نفس الصور الشخصية التي كانوا قد رفعوها سنة 2009 والى جانبها الشعارات الرنانة التي صعب فهمها وتصديقها من قبل جيل المقترعين الجدد. 

وفي المقابل قام الآخرون بإنتاج أفلامهم الوثائقية الخاصة، ودفعوا مقدماً ليتأكدوا من عرضها على القنوات التلفزيونية المملوكة حتى من قبل الخصوم، لكونهم عرفوا زخم المشاهدة، رغم 

الكلفة العالية لإعلانهم الأطول من أي إعلان انتخابي آخر. وما هذا المثل إلا محاولة للإضاءة على الديناميكية الجديدة التي يتوقع أن ترفع منسوب الإنفاق الإعلاني خلال الأيام القليلة المقبلة إلى مستويات قياسية لم نعرفها من قبل. 

مرّة أخرى يفشل الخبراء في تفهّم الدّيناميكيّة العجيبة لبلدنا الذي لا يتوقّف بمشيئة الله.

(رمزي رعد- رئيس مجلس إدارة مجموعة TBWA\RAAD)