المشهد الانتخابي في لبنان جديد من حيث شكله وعدد مرشحيه وحجم اللوائح المتنافسة. جميع القوى بحالة استنفار قصوى في تعبئة جمهورها وشد عصبها للاحتفاظ بحجمها والسعي الواثق لدى بعضها في توسعة عدد نوابها، لتتمكن من التحكم بمسار الحياة السياسية القادمة أو التأثير عليها بقوة.

أسوأ ما نخاف منه، وهو حاصل على الأرجح، أن يتكرر المشهد السياسي الحالي بكل رتابته وكوارثه، وأن تعود الوجوه نفسها مع تعديلات طفيفة، وتبقى قواعد اللعبة نفسها في إدارة الحياة العامة، ومبادئ الاشتباك والتعبئة والتحشيد نفسها في التنافس بين الخصوم والنظراء.  ليتكرر بذلك مشهد الفشل والفساد وعدم الكفاءة والتقصير وزيادة الدين العام وحتى اللامبالاة وعدم الجدية بمستقبل المواطن وأمنه الوجودي، فضلا عن الأزمات الكبرى التي كان للطاقم السياسي الحالي، بأطيافه المتعددة، الدور الكبير في تولُّدِها وتضخُمِها.

توقعنا قانوناً انتخابياً جديداً يعبُرُ بنا:من طائفية مزمنة بطاقم سياسي مهترئ إلى وطن معافى من جروح الانقسامات فيه، من حال اللامبالاة بالسياسة إلى التورط الفاعل والناشط لقوى المجتمع في الشأن العام، من الفرد التابع والمتردد والمرتبك إلى المواطن الذي يعرف بوضوح من يمثله ويجرؤ على محاسبته،  من الزعيم الواثق بأبدية بقائه إلى الدولة الباقية والمتجددة بعد رحيله.

توقعنا قانونا ينتج حياة سياسية جديدة، ويُسهِّل وصول وجوه جديدة ورؤى مختلفة وأصوات ذات معنى تستحق أن تُسمع، وليس قانوناً يحدث فقط تغيراً في نسب توزيع النفوذ بين القوى الموجودة، التي أصبحت بحكم طول مدة بقائها في البرلمان وتوسع نفوذها في أجهزة الدولة ومؤسساتها قوى أمر واقع أكثر مما هي قوى تمثيل،  قوى تعمد إلى صناعة الرأي العام والتحكم بمزاجه وميوله أكثر مما تعمد إلى الاستجابة له أو وضع الخيارات المحتملة بين يديه. أي قوى تنتج الحدث الانتخابي لا هو الذي ينتجها.

توقعنا قانوناً ينتج برلماناً شفافاً ويشرع القوانين بعد استمزاج الرأي العام لا بالتواطوء المُدبَّر وراء الكواليس، قانوناً يتوقع معه النائب الفقر وينعدم لديه الأمل بالغنى الفاحش.

توقعنا أن تُشَرَّع مع القانون الجديد، تشريعات وإجراءات صارمة تحد من سطوة المال والسلاح والنفوذ والمواقع الرسمية،  لتحُول دون وصول الجبناء والمرتشين والمرائين والجهلة، وتجعل طريق الشرفاء والشجعان والعقول النيِّرة والطاقات الخلاقة مُيسَّرة إلى البرلمان.

توقعنا رسم الدوائر الانتخابية لا وفق تقديرات مسبقة لنتائج متوقعة وقابلة للتحكم، أو وفق تسويات محسوبة وتنازلات متبادلة بين قوى الأمر الواقع، أو وفق توزيع سكاني يسهل معه استثارة الحس الطائفي وتضخيمه على حساب الأفق الوطني الأرحب.

توقعنا قانوناً يضمن فرصاً متكافئة في عرض البرامج وإيصال الرسائل الانتخابية ، يعطي فرصة للقوي كما للضعيف، للغني كما للفقير، للأقلية كما للأغلبية، ويمنع احتكار الساحات والأماكن العامة وفضاءات البث الأثيري لصالح القوى المتنفذة.  

توقعنا قانوناً يُخرج فينا كل ما نود التعبير عنه، حتى لو كان غريباً أو مستهجنا أو غير سائد، من دون تحفظ أو خوفٍ من عواقب، لا أن يوضع الكلام في أفواهنا أو تُملِي علينا القوى المهيمنة المسموح به أو الواجب التفكير فيه.

توقعنا قانوناً  لا يكون صعباً على فهم المواطن العادي، ولا يربكه في تحديد خياره ومرشحه المناسب، قانوناً لا يُهْدِرُ صوتَ الناخب في لعبة الحاصل الانتخابي وعقدة البواقي الحسابية.

توقعنا قانونا على قياس رغبة المواطن وتطلعاته وهمومه ومشاكله لا على قياس القامات القصيرة والأجساد الملتوية ، على قياس الفرد لا الرمز، على قياس المجتمع لا الطائفة، على قياس الإرادة الحرة والتضامنات الطوعية لا الإكراهات الموروثة والترتيبات المُبيَّتَة.   

توقعنا قانوناً يبقي المرشح في حالة لايقين من نتائج حملته، ويُشعر جميع من في السلطة بأنه مهدد في أية دورة انتخابية بالرحيل، وأن مصيره السياسي بات تحت رحمة المواطن لا العكس.   

توقعنا قانوناً يُبطِلُ عدة التعبئة القديمة وأسلوب الحملات الإنشائية، ليصار إلى احترام عقول الناخبين لا استثارة غرائزهم، والإنصات الجاد لمطالبهم لا حشدهم كقطعان تهتف وتصفق. قانوناً  يُقدِّم فيه المرشح ولاءَه للمواطن لا أن يتهافت الناخبون على عتبات مرشيحهم لتقديم وجوه الطاعة لهم.

توقعنا قانوناً يعطي للانتخابات طاقة تغيير شاملة، وصلاحية تكنيس لرموز ووجوه تتوارى خلف المشهد الانتخابي، وتستند في نفوذها واستمراريتها إلى معطيات قوة تتعالى على صوت الناخب وتستخف به.  

أخيراً، توقعت قانوناً يعتبر الإدلاء بصوتي حدثاً ذي قيمة سياسية ومعنوية، لا أن يكون رقماً يُجمع أو يُطرح أو يُحذف.