مع دنوّ موعد الاستحقاق المرتقب في 6 أيار المقبل، يدخل لبنان في «منخفضٍ انتخابي» تر افقه عواصف سياسية ومواقف رعدية، هي جزءٌ من المؤثرات المعتمَدة في مناسبات كهذه. وهذا الاستحقاق لا يعني لبنان فقط، بل هو ايضاً موضع رصد من دوائر القرار الإقليمية والدولية التي يحاول بعضها أن يكون ناخباً وليس مجرّد مراقب
 

أما روسيا، فهي تقارب الانتخابات النيابية من زاوية الادراك لحساسية التركيبة اللبنانية وتعقيداتها، متجنّبةً التورّط في جزئيات اللعبة المحلية واصطفافاتها الحادة، مع حرصها في الوقت ذاته على أن تكون شريكة في نسج خيوط المظلّة الدولية للاستقرار اللبناني الهش.

ويقول السفير الروسي في بيروت الكسندر زاسبيكين لـ«الجمهورية»: «إنّ لبنان هو بلد التوازنات الدقيقة، والانتخابات يجب أن تعبّر عن موازين القوى الحقيقة في المجتمع اللبناني وأن تعكسها في المجلس النيابي الجديد». ويضيف: «هذا هو المبدأ الأساسي بالنسبة الينا، اما التفاصيل المتعلقة بالتحالفات وتوزّع المقاعد على الاطراف فنحن لا نتدخّل فيها انطلاقاً من قاعدة ثابتة لدينا وهي أنّ السياسة الروسية لا تتدخّل في مجريات الانتخابات في أيّ مكان، من أميركا الى لبنان، وبالتالي نحن نريد أن نكون على مسافة متساوية من جميع القوى وعلى علاقة جيدة معها، من دون تشجيع طرف على حساب آخر».

ويشير زاسبيكين الى «أنّ موسكو تأمل في أن تساهم الانتخابات في تعزيز الاستقرار اللبناني الذي كان ولا يزال موضع إجماع من المجتمع الدولي، وتحصين هذا الاستقرار هو هدف مركزي لروسيا التي تشارك لهذه الغاية في مجموعة الدعم الدولية للبنان». ويلفت الى «أنّ التركيبة السياسية التي تتولّى إدارة السلطة في لبنان منذ فترة هي جيدة، كونها اتّسعت لعدد واسع من التكتلات الأساسية، على مستوى مجلس الوزراء ورئاسات الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي، ونحن مرتاحون الى تلك التركيبة، مع الأخذ في الاعتبار أنّ هناك مطالبة متزايدة في الداخل اللبناني بإيلاء مزيد من الاهتمام للقضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تشكل مشكلة لكثير من الدول في العالم، وليس هنا فقط، وأعتقد أنّ الحكومة المقبلة والمجلس الجديد سيكونان معنيَّين بالتركيز أكثر على هذا الجانب.

نعارض التحجيم

ورداً على سؤال عن تعليقه على شعور بعض مكوّنات الطائفة الأرثوذكسية في لبنان بالتهميش في الدولة وبمحاولة إلغائها نيابياً، يجيب زاسبيكين: «أنا لا أريد أن أغوص في التفاصيل، خصوصاً أنني لستُ ملمّاً بها، ونحن لا نحبّذ اتّخاذ مواقف انطلاقاً من معايير طائفية، لكن يهمّني التشديدُ على مبدأ اساسي لدينا وهو أننا نرفض تحجيم أيّ مكوّن أو طائفة في لبنان، بمعزل عن طبيعة الانتماءات والهويات، وندعو الى أن يكون التمثيلُ متوازناً من دون تحجيم أحد».

وعمّا إذا كان يشعر بأنّ هناك تدخّلات خارجية في الانتخابات النيابية، يعتبر زاسبيكين أنّ التأثير الخارجي على لبنان موجود تاريخياً، مشيراً الى أنّ دولاً عدة لها أدوار في هذا البلد، ونحن نسعى دائماً الى التقليل من مساحة الدور الاجنبي، خصوصاً وأنّ الجهات المتدخّلة تتنازعها في غالب الاحيان مصالح ومواقف متناقضة، لكنّ أكثرَ ما هو نافر ومزعج أخيراً يتمثل في العقوبات الأميركية على «حزب الله»، والتي لن تحقّق لواشنطن غاياتها بل ستزيد الاوضاع المالية والاقتصادية للبنان تعقيداً، علماً أنّ هذا التصرف مخالف لمبادئ السوق الحرة والتجارة الحرة، وهي المبادئ التي يعتبر الأميركيون أنهم أصحابها لكنهم في واقع الامر هم مَن يضربونها وينتهكونها». ويشير الى «أنّ سياسة العقوبات الأميركية معتمَدة ايضاً ضد روسيا وسوريا وإيران ولكن هذه السياسة السيّئة لن تحقّق لهم نتائج إيجابية». إسرائيل.. وإيران

وأبعد من لبنان، هل تتوقع موسكو نشوبَ مواجهة عسكريّة مباشرة بين طهران وتل أبيب في سوريا، بعد الاستهداف الإسرائيلي للحرس الثوري الإيراني في مطار «تي. فور»، وما ترتّب على ذلك من ردود فعل؟ يجيب زاسبيكين «أنّ القلق الإسرائيلي الاستراتيجي حيال الحضور الإيراني في سوريا قد ازداد خلال السنة الاخيرة، خصوصاً بعد التغيير الذي حصل في موازين القوى على الأرض وإمساك الجيش السوري وحلفائه بالمبادرة، وهو الامر الذي سيؤدّي وفق اعتقاد الإسرائيليين الى توسّع نفوذ إيران ومحور المقاومة في سوريا. لكننا من جهتنا نرى أنّ الخطر الإيراني على إسرائيل غيرُ وارد عملياً وأنّ هناك مبالغة من الجانب الإسرائيلي في الكلام عن هذا الخطر» ولفت الى «محاولة لاستبدال الخطر الحقيقي المتمثل في التهديد التكفيري بآخر وهمي هو إيران».

ويشدّد السفير الروسي على «أنّ أولويّتنا في سوريا حالياً هي لمكافحة الإرهاب، ومحور المقاومة يساهم في هذه المواجهة، وبعد الانتهاء من هذه المهمة، ستدفع موسكو في اتّجاه العودة الى عملية السلام في المنطقة».

هجمة أميركية

وعن السلوك الروسي بعد الضربة الغربية الاخيرة على سوريا ومستقبل العلاقة مع الولايات المتحدة، يشير زاسبيكين الى «أنّ الأميركيين يواصلون هجمتهم ضد روسيا في المجالات كافة، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ومالياً وحضارياً، وهم يستخدمون كل الوسائل بغية الضغط علينا، وصولاً الى فبركةِ

الاتّهامات والأكاذيب، كما حصل في مسألة الهجوم الكيماوي المزعوم على دوما والذي ثبت أنه كان كنايةً عن مسرحية مفبرَكة». ويلفت الى «أنّ الوجود الأميركي في سوريا غير شرعي لأنه قائم من دون موافقة السلطة السورية الشرعية، بينما وجود الروس والإيرانيّين و«حزب الله» هو بالتنسيق التام مع دمشق وبموافقتها».

الاستراتيجية الروسية

ويؤكد زاسبيكين «أنّ موسكو ستواصل مسارها ونهجها في سوريا، متسلّحة بالصبر والحزم»، موضحا «ان خطتها واضحة وتستند الى الاستمرار في محاربة الإرهاب والتمسّك بوحدة سوريا ورفض تقسيمها وبسط سيادة الدولة على كل اراضيها ومواصلة الحوار لتحقيق التسوية السياسية وإجراء الإصلاحات الضرورية». ويضيف: «إذا أراد الأميركيون أن يتعاونوا معنا فأهلاً وسهلاً، وإذا امتنعوا فنحن سنواصل مهمتنا حتى إنجازها وفق القواعد التي أشرتُ اليها».

وهل إنّ روسيا في صدد تسليم منظومة الصواريخ «إس 300» لسوريا، رداً على الضربة الغربية؟
يتجنّب زاسبيكين بديبلوماسية «التورّط» في الاجابة، لافتاً الى «أني لا أُناقش الامور العسكرية لأنها ليست من صلاحيّاتي».