شهدت الأوضاع الميدانية في ريف حمص الشمالي «هدوءاً مريباً»، وفق وصف أحد القادة الميدانيين المعارضين في اتصال مع «الحياة». وفور انتهاء معارك الغوطة الشرقية وخروج المقاتلين من القلمون الشرقي، بدأت التكهنات حول وجهة النظام السوري المقلبة، ويبدو أن تداخلات منطقة الجنوب الإقليمية والدولية، وقربها من إسرائيل رجحت كفة الريف الشمالي لحمص، لكن وفق مئات الضباط المدربين على الحرب والمطلعين على أسلحة النظام وتكتيكاته، فإن المعركة «تبدو أصعب بكثير» في واحد من آخر جيوب المعارضة المسلحة في سورية.


ويدخل ريف حمص الشمالي ضمن مناطق «خفض التصعيد» وفق تفاهمات «آستانة» في 4 أيار (مايو) 2017 بين روسيا وتركيا وإيران. وبعد مفاوضات بين ممثلي وزارة الدفاع الروسية والمعارضة المسلحة، رعتها القاهرة في 31 تموز (يوليو) 2017، أعلنت موسكو في 3 آب (أغسطس) 2017 تشغيل منطقة خفض التصعيد بدءاً من اليوم التالي، وتضمن الاتفاق وجود شرطة عسكرية روسية في 3 نقاط لتمرير المساعدات وانتقال المدنيين والمرضى من وإلى الريف الشمالي لحمص.

ويسعى النظام منذ سنوات إلى استرداد السيطرة على المنطقة الاستراتيجية لقطعها الطريق الدولي من حمص إلى حلب، وعقدة المواصلات الاستراتيجية في الرستن التي تقسم سورية إلى قسمين. واشترط النظام أكثر من مرة فتح الطريق كشرط في المفاوضات في آستانة وغيرها. وتحاذي الخزان البشري للنظام في منطقة الغاب وغرب ريف حمص.

وتصل مساحة الأراضي الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية إلى 350 كيلومتراً، خرجت عن سيطرة النظام منذ عام 2013، وتمتد المنطقة جنوباً من الدار الكبيرة المتاخمة لمدينة حمص مروراً بتلبيسة إلى مدينة الرستن شمالاً، ومن المشرفة شرقاً إلى الحولة غرباً. ويعيش في المنطقة حاليا قرابة 400 ألف مدني وهو نحو نصف العدد عند بداية الأحداث في سورية في 2011. وتنشط عدد من الفصائل المسلحة ويبلغ إجمالي المسلحين بنحو 12 ألفاً، وفق مصادر عسكرية معارضة تحدثت إليها «الحياة»، قدرت أن «500 ضابط منشق عن جيش النظام يحاربون في المنطقة تتراوح رتبهم بين ملازم وعميد قبل انشقاقهم وانحيازهم للثورة».

وقال الناطق باسم «حركة تحرير الوطن» النقيب رشيد حوارني إن التصعيد الأخير بدأ بعد فشل جولة من «مفاوضات الخيمة» مع الجانب الروسي. وأوضح حوراني في اتصال مع «الحياة» أن «المفاوضين الروس طلبوا من الوفد المعارض عقد المفاوضات في سيارة زيل عسكرية روسية، أو الانتقال إلى فندق سفير حمص الخاضع لسيطرة النظام وهو ما رفضناه واعتبرناه مهيناً لضباط منشقين برتب عسكرية رفيعة». ولفت إلى «إصرار الروس على التفاوض في مناطق تخضع لسيطرة النظام على رغم أن المسافة التي اقترحها الروس لا تبعد سوى نحو 100 متر عن خيمة التفاوض».

واتهم حوراني المفاوضين الروس بـ «السعي إلى فرض شروط النظام وإعادة تأهيله والاعتراف به». ولفت إلى أن «الجانب الروسي شارك النظام والميليشيات الطائفية الإيرانية منذ خريف 2015 في خمس حملات فاشلة على رغم استخدام مختلف صنوف الأسلحة». وتوقع «فشل» الحملة الحالية، موضحاً أن «النظام وحلفاءه سيجدون صعوبة نظراً للمساحة الجغرافية الواسعة للريف، وطول محاور القتال، وزيادة قدرة الفصائل المسلحة مقارنة بالمرات الماضية». وقال إن «الرصد كشف عن وجود نقص بشري في قوات النظام مقابل وجود وفرة في صفوف المعارضين ووجود ضباط سابقين برتب عالية يعلمون تكتيكات النظام ويجيدون الفنون العسكرية». وأكد أن مقرات مقاتلي المعارضة بعيدة عن الأماكن السكنية.