في متابعة للمعركة الإعلامية التي يخوضها المستقبل في معظم الدوائر ذات الغالبية السنّية أو تلك التي يتشارك فيها بتحالفات مع قوى أخرى في دوائر أخرى، يمكن ملاحظة عدد كبير من التناقضات التي بُنيت على أساسها هذه المعركة والأبرز منها:
 

أولاً: بنى المستقبل عنوانه السياسي للمعركة على شعار وحدة الصف السنّي، وفي هذا العنوان سجّل على نفسه الكثير من المغالطات أبرزها في اتّهام اللواء أشرف ريفي على وجه التحديد بشقّ الصف السنّي، وقد ردّ ريفي من مهرجان إعلان اللائحة البيروتية بأنه مع وحدة الصف لكنه لن يقبل أن «يمشيَ بالصف» أي لن يقبل بـ«أوعا خيّك سنّية»، دون نقاش العودة الى الثوابت، فمعادلة «أوعا خيّك» لا تكون إلّا على اساس الاتّفاق على قناعات، وليست تبعيّة «عالعمياني» وبصماً على مسار التحالف مع حلفاء «حزب الله»، الذي يعني بنظر ريفي تحالفاً مع الحزب نفسه، وهو ما لن يقبله.

يتذكر ريفي أنه تقدّم اكثر من مرة الى نصف المسافة في العلاقة مع الرئيس سعد الحريري لكنّ الأخير رفض، واشترط أن يوافق ريفي على علاقته بالعماد ميشال عون، وآخر محاولة، كانت عندما أيّد ريفي استقالة الرئيس الحريري ووضع الكتف على الكتف، وليس سرّاً أنّ ريفي كان جاهزاً للاتّصال بالحريري وتحديد موعد للقاء، لكنّ الحريري رفض، وكانت هذه آخر محاولة.

ثانياً: بنى المستقبل معركته الانتخابية والإعلامية على الدعوة الى انتخاب لوائحه، كي لا تفوز اللوائح المدعومة من النظام السوري و«حزب الله»، وفي هذا العنوان ايضاً تناقض فاضح، فالمستقبل قطع شوطاً كبيراً في التفاهم مع الحزب، في الرئاسة والحكومة وقانون الانتخاب، لا بل إنه ضمّ الى لوائحه ودائع صديقة للنظام السوري، سوف تتحرّر من كتلته بعد الانتخابات.

أما التناقض الأكبر فهو اتّهام خصومه بأنهم يعملون لمصلحة «حزب الله»، وأنهم بمجرد ترشّحهم يُضعفون لوائح المستقبل، فهل مِن تفاهم مع «حزب الله» يملك الحقّ بقطع الطريق على مَن يتعرّض للخطر والأذى والتهديد لأنه يواجه «حزب الله» فعلاً لا قولاً، وتالياً اذا كان ريفي على سبيل الافتراض يُضعف فرصَ لوائح المستقبل بالفوز في الدوائر السنّية، فماذا عن الدوائر المختلطة التي حالف فيها المستقبل حلفاء «حزب الله»، وأبرز هذه الدوائر الشمال الثالثة التي سيدعم فيها المستقبل الوزير جبران باسيل، وبيروت الأولى وزحلة المتحالف فيهما مع التيار العوني، وبالتالي كيف يحاول المستقبل إيهام البيئة السنّية أنه يواجه مَن يتحالفون مع «حزب الله»، فيما يتحالف في الدوائر الأخرى مع حلفاء «حزب الله».

ثالثاً: بنى المستقبل معركته في الأيام الماضية على سيل من الشائعات حول تعاون مزعوم بين اللواء اشرف ريفي والرئيس نجيب ميقاتي، وظهرت هذه الشائعات عبر مواقع إخبارية عقد معها نائب في بيت الوسط اتّفاقاً لهذا الغرض وخصّصت لها موازنات كبيرة. وبدا أنّ مشكلة المستقبل مع اللواء ريفي تختلف عن مشكلته مع الرئيس ميقاتي. فمع ريفي يلجأ المستقبل الى زرع اوهام حول قدرته على خوض معركة تأتي بكتلة نيابية، وهذه الأوهام بدّدتها حركة ريفي الشعبية التي نسفت «إحصاءات المستقبل» غب الطلب، وأقفلت المعركة بالنسبة للمستقبل على أمل أن يستفيق في السابع من أيار، على كتلة ريفية لا تتخطّى الثلاثة مقاعد.

أما عن ميقاتي فالمشكلة من طبيعة مختلفة، فالمستقبل لا يريد للمرشح الدائم للحكومة أن يشكّل كتلة نيابية تؤهّله للمنافسة على رئاسة الحكومة، لاسيما أنّ خطوطه جاهزة لسلوك طريق السراي في حال أراد «حزب الله» أن يلوّح للحريري بوجود البديل، خصوصاً أنّ ميقاتي نال صكّ براءة سياسية بعد أن سلك الرئيس الحريري الطريقَ نفسه، وشكّل حكومة لـ«حزب الله» فيها الغالبية والقرار، ولم يعد من مجال للتخوين، فالطريق التي عبّدتها تسويةُ الحريري مع العماد عون، أصبحت سالكة وآمنة لكل شخصية سنّية طامحة للوصول الى السراي، طبعاً باستثناء اللواء ريفي الذي يضع «حزب الله» والعماد عون فيتو رفضاً لمشاركته في أيّ حكومة، فكيف بترؤُس الحكومة، وهذا ما يعبّر عنه ريفي بوضوح إذ يقول لكل دولة زمان ورجال، وفي دولة «حزب الله» لا مكان إلّا لمَن يأتمنه «حزب الله»، ويضيف: مهمة كتلتنا النيابية المقبلة ستكون جزءاً من مهمة مَن يشبهوننا، وسنشكّل تكتلاً يواجه «حزب الله» الذي حقّق خطوات متقدّمة في الإطباق على قرار البلد.