كلما اقترب موعد الانتخابات النيابية كلما اشتدت حماوة المعركة بين القوى والأحزاب، وارتفعت معها التحديات وتبادل القذائف من العيار الثقيل بين الأطراف المتنازعة، وهذا أمر طبيعي ويحصل دائماً في الحملات الانتخابية لشد العصب السياسي أحياناً والطائفي والمذهبي في كل الأحيان بالنظر الى التركيبة الطائفية المتعددة في لبنان والتي لا يوجد مثيل لها في كل دول العالم تقريباً.
وفي غمرة هذا السباق المحموم يطرح اللبنانيون السؤال نفسه المطروح على مدى السنين الطويلة السابقة: هل نحن نعيش أزمة سياسية بالمعنى التقليدي أم أزمة نظام؟ وهذا سؤال مشروع قياساً على الأزمات المتراكمة التي عاشها اللبنانيون ويعيشون منذ ان وضع الانتداب الفرنسي أول دستور للبنان عام 1926، وحدوداً فيه شكل النظام في هذا البلد الذي يعرف بالنظام الديمقراطي البرلماني.
مثل هذا السؤال مشروع قياساً على الأزمات التي يعيشها اللبنانيون والتي ما انفكت قائمة منذ أقر هذا النظام، ومن الطبيعي أن يتكرر على ألسنة اللبنانيين في المحطات الهامة التي يمر بها الوطن، بل ومن البديهي طرح مثل هذا السؤال عندما تتفاقم الأزمات الداخلية في الوقت الذي يُصرّ فيه المتربّعون على الكراسي على احترام الدستور وعلى السير حسب مقتضيات النظام المعمول به من دون أي تحريف أو التفاف عليه. وحقيقة الأمر اننا لا نعيش أزمة نظام، ولا أزمة سياسية وحسب، بقدر ما نعيش أزمة اخلاقية استناداً الى المقولة المعروفة التي تقول بأن أفضل نظام لا يُطبّق ولا يُحترم من قبل القيمين لا معنى ولا قيمة له، وما دام نظامنا لا يُطبّق من قبل هؤلاء، بل يستخدم استنسابياً وحسب الأهواء والمصالح والمنافع التي تصب في خدمة هؤلاء وحدهم، بهذا المعنى نكون في أزمة نظام بل في أزمة أخلاقية كبيرة ضحيتها النظام القائم.
وإذا ما نظرنا بعين ثاقبة وبموضوعية إلى النظام المعمول به لتبين لنا انه من أفضل الأنظمة العصرية الديمقراطية في حال احترم القيّمون عليه أو مَن يسمّونهم الطبقة السياسية الحاكمة نصوصه والتزموا بتطبيقها بالشكل الذي وضعت فيه، وفي حال لم يحرّفوها عن حقيقتها خدمة لمصالحهم الذاتية وحفاظاً على وجودهم في السلطة لحصد المكاسب على حساب المصلحة الشعبية العامة التي من المفترض، وفقاً للنظام نفسه، أن يكون فيها الشعب هو مصدر كل السلطات.
وبهذا المعنى، يُمكن القول اننا في لبنان لا نعيش أزمة نظام، بل أزمة اخلاق الطبقة السياسية التي لا تلتزم باحترامه وتستخدمه مطيّة لتحقيق أهدافها ومصالحها الذاتية، وثمة أمثلة كثيرة على ذلك يمكن سردها في السنوات العشر الماضية، تثبت هذه المقولة، وعلى سبيل المثال لا الحصر ما علاقة النظام بأزمة تعطيل المجلس النيابي أكثر من سنتين؟ وما علاقته بتعطيل الانتخابات الرئاسية أكثر من سنتين ونصف أيضاً؟ وما علاقته بالتمديد ثلاث مرات لمجلس النواب، إلى غير ذلك من التعديات الصريحة والواضحة على الدستور الذي نص على النظام المعتمد في لبنان وعلى أصول العمل به، كما نصّ على آلية تعديله، ألا تشكل كل هذه المخالفات والتجاوزات على الدستور أزمة أخلاقية بدل من القول انها تشكل أزمة نظام؟ وبالتالي هل النظام هو المسؤول عن كل هذه التجاوزات أم أن المسؤولية تقع على من يفترض به أن يكون الحارس الأمين على تطبيقه؟
مِن هنا يصح القول ان الأزمة التي يعيشها لبنان إنما هي أزمة أخلاق وعدم احترام للدستور، وتسخيره بالتالي لخدمة الطبقة السياسية التي يُفترض أنها تعمل وفق الدستور وليس على حسابه.