عشية انعقاد مؤتمر «بروكسل 2» تتّجه الأنظار بقلق الى العاصمة البلجيكية مخافة التسبّب بمقاربة دولية جديدة لملف النازحين واللاجئين السوريين في لبنان ودول الجوار السوري. ومردّ هذا القلق الخوف من انشغال المؤتمر بالمواجهة الأميركية ـ الروسية القائمة والاشتباك الإسرائيلي ـ الإيراني المتوقّع لإنتاج صيغ أخرى لا توائم نظرة لبنان الى المؤتمر والنتائج المتوقّعة منه. فما الذي يقود الى هذه المراجعة؟
 

رغم اعتبار مؤتمر «بروكسل 2» الخاص بالنازحين واللاجئين السوريين واحداً من ثلاثية المؤتمرات الدولية والإقليمية الخاصة بلبنان والتي انطلقت من روما وباريس التي تعنيه، ومعه دول الجوار السوري، فإنّ كثيراً من التطوّرات على الساحة السورية قد تؤثر على أعمال المؤتمر ومناقشاته فتحرفه عن أهدافه الأساسية التي وُجد من أجلها.

أو على الأقل المَسّ بالنتائج التي كان ينتظرها لبنان سعياً وراء الدعم الدولي لمواجهة آثار النزوح السوري على مختلف وجوه الحياة فيه، وتوفير ما يدعم المجتمعات المضيفة للتخفيف من الآثار السلبية على القطاعات المختلفة والتي تجاوزت 18 مليار دولار منذ نشوء الحرب في سوريا بأشكال مختلفة مباشرة أو غير مباشرة.

على هذه الخلفيات يستعدّ لبنان للمواجهة المتوقعة مع المجتمع الدولي في «بروكسل 2» بقليل من الآمال مخافة أن يتغلّب الشقّ السياسي والديبلوماسي على المحاور الأخرى المرتبطة بقطاعاته الإقتصادية والإنسانية والتربوية والصحّية والإجتماعية، عدا عن تلك التي تعني المجتمعات المضيفة والتخفيف من الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية والخدمات الأساسية التي تقلّصت الى الحدود الدنيا وتردّت بفعل ما ألقاه هذا النزوح من أثقال أمنيّة واقتصادية وبيئية واجتماعية على مختلف نواحي الحياة اليومية للبنانيين في كثير من المناطق.

وفي الوقت الذي غادر اعضاء الوفد اللبناني بيروت الى بروكسل امس، بدا واضحاً لدى البعض منهم حجم الهواجس، مخافة أن تتغلّب السياسة على الجوانب التقنية والمالية المطلوبة من المؤتمر جراء التطورات على الساحة السورية والتي لا يمكن إزالتها بسهولة قبل التثبّت من مدى جدّيتها اثناء المؤتمر ويمكن أن تظهر بوادرها أو تنتفي من خلال الإجتماعات التحضيرية التي سيشاركون فيها تمهيداً للجلسات التي ستُعقد غداً على مستوى رؤساء الوفود المشاركة في المؤتمر للتقرير نهائياً في الملفات والقضايا المطروحة فيه.

وعشيّة توجّه رئيس الحكومة سعد الحريري اليوم الى بروكسل عدّدت مراجع معنيّة بالمؤتمر بعضاً من المخاوف اللبنانية والأسباب التي دفعت اليها ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

- الخوف الجدي من أن ينشغل المؤتمر بالمواجهة السورية ـ الأميركية التي ظهرت في الأيام الماضية عقب الضربة الأميركية ـ الفرنسية والبريطانية الأخيرة والجدل القائم بين واشنطن وموسكو على خلفية إصرار الأولى على العودة الى جنيف لعقد حلقته الرابعة بدلاً من آستانة التي يصرّ عليها الجانب الروسي مدعوماً بحليفيه إيران وتركيا.

- ما ألقته التهديدات الإسرائيلية ـ الإيرانية المتبادلة عبر الساحة السورية من ظلال كثيفة على الساحة اللبنانية - التي نأى بها العالم عن الأزمة السورية - من احتمال أن تطاول بتردّداتها السلبية -إن حصلت- هذه الساحة. فتل أبيب وبعض دول الحلف الدولي لا تنظر الى الساحة اللبنانية حيث ينتشر «حزب الله» إلّا كونها امتداداً طبيعياً للساحة السورية. ولذلك فهي بالنسبة اليها ساحة واحدة، وهي لا تتوانى عن الإشارة الى ما ينقله الحزبُ من أسلحة متطوّرة وأخرى متنوّعة الى لبنان وتعتقد ـ كما يشير قادة «حزب الله» يومياً- أنّ بعضها كاسر للتوازن القائم بين الطرفين منذ العام 2006 وحتى الآن.

- الحديث عن ورقة سياسية وديبلوماسية لممثل الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوميستورا سيتقدّم بها أمام المؤتمر وتتناول في معظمها التطوّرات السياسية ودعوته الى إحياء لقاءات جنيف قبل أن تتفاهم موسكو وواشنطن وما بينهما من حلفاء و»حلفاء الحلفاء» على موقفٍ موحّد من خطوة الأمم المتحدة، وهو ما قد يؤدّي الى عرقلة القرارات التنفيذية الخاصة بتقديم الدعم للدول المستضيفة النازحين امثال لبنان والأردن وتركيا.

وعلى هامش النقاش في العوامل الثلاثة التي تثير القلق يبدو أنّ لبنان لم ينجِز ورقة واحدة الى المؤتمر، وهو يذهب بأوراق وافكار مبعثرة في ظلّ الخلافات الداخلية حول النظرة الى اوضاع النازحين وقضايا العودة الى سوريا وسط بوادر خلاف كبيرة بين لبنان والمنظمات الدولية التي لم تشارك قبل ايام في عملية ترحيل الـ 500 نازح سوري الى بيت جن ومزرعتها.

لا بل فإنّ المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين شكّكت في نيّات العودة وهو ما قاد الى مواجهة محدودة مع وزارة الخارجية التي استدعت ممثلتها في لبنان ميراي جيرار الى مكتب مدير الشؤون السياسية والقنصلية السفير غادي الخوري لجهة سلوكها «المخالف للسياسة العامة اللبنانية المنسجمة كلياً مع المبادئ الإنسانية والقانون الدولي» والتي تقضي بـ«العودة الآمنة والكريمة للنازحين السوريين الى بلدهم».

واتّهمها بزرع «الخوف والتردّد في نفوس النازحين السوريين الذين قرّروا طوعياً وبملء إرادتهم العودة إلى بلدهم، كون الوضع الأمني في معظم مناطق سوريا بات يسمح بالعودة».

وما زاد في الطين بلة أنّ منظمة «هيومن رايتس ووتش» عندما اتّهمت بعض البلديات اللبنانية بطرد نازحين سوريين واعادة ترحيلهم لأسباب طائفية وسياسية تناست أنّ بعض الإجراءات التي اتُّخذت من هذا النوع مردّها الى سلسلة من الجرائم التي ارتكبها سوريون وانعكست رعباً لدى فئآت لبنانية واسعة من كل لبنان.

عدا عن أعمال السرقة والخطف التي قام بها سوريون في اكثر من منطقة لبنانية بعيداً عن أيّ منطق مذهبي وطائفي بعدما شملت قرارات الإبعاد بلديات من مختلف طوائف لبنان ومناطقه.

وعليه تنتهي المراجع المعنية الى الإعتراف بأنّ المواجهة المحتملة مع المجتمع الدولي ليس أوانها، لا بل هي خطيرة ومكلفة... لكن وفي الوقت نفسه إنّ التغاضي عنها قد يفسّر سلوكاً مريباً او اعترافاً بذنب لم يقترفه لبنان الرسمي ولا أيُّ لبناني على الإطلاق.