الفضيحة التي فجّرتها سيلفانا اللقيس، باستقالتها من هيئة الإشراف على الانتخابات، لا يمكن تغطيتها. فما بعد الاستقالة لا يمكن أن يكون كما قبلها... إلّا إذا قرَّر أصحاب النفوذ أن يرفعوا منسوب الضغوط والوقاحة، ويدوسوا بأقدامهم كل الاعتراضات وكل الناس... ويمشوا!
 

هناك 3 خيارات، لا غير، أمام النافذين المتحكّمين بالانتخابات:


1 - أن يتجاهلوا الشكاوى البالغة الخطورة التي عبّرت عنها اللقيس عند الاستقالة، وكأنهم لم يسمعوها، ويمضوا في سلوكهم حتى إمرار الأيام القليلة المتبقية قبل 6 أيار وفرض نتائج الانتخابات على الجميع.


وفي هذه الحال، سيكون وارداً أن يعمد أحد الأطراف إلى الطعن بمجمل العملية الانتخابية. وستكون هناك على الأرجح مقوّمات حقيقية لدى المجلس الدستوري لقبول الطعن بالانتخابات وإسقاط نتائجها… طبعاً، إذا أتيح لهذا المجلس أن يقوم بواجبه فعلاً، فلا يتعطّل مثلما تعطّلت هيئة الإشراف.


2 - أن يتجاهلوا التجاوزات السابقة الذكر، ويلتزموا الضوابط القانونية في الأيام القليلة المتبقية قبل الانتخابات. وهذا أمر لا يبدو في وارد الحصول. وفي أيّ حال، هذا الالتزام المتأخّر جداً لا قيمة له قانونياً. إذ كيف السبيل إلى إصلاح الضرر الواقع سابقاً، أي في نحو 95% من التحضيرات للعملية الانتخابية؟ ولذلك، الطعن بمجمل العملية الانتخابية سيبقى وارداً في هذه الحال.


3 - أن يتعاطوا إيجاباً مع الشكاوى والمآخذ التي عبّرت عنها اللقيس، ويعترفوا بها، ويعلنوا استعدادهم لإصلاح الخلل. وطبعاً، هذا الاحتمال ضئيل جداً، بل معدوم. ولكن، في حال حصوله وثبوت الشوائب والمخالفات القانونية في التحضيرات الانتخابية، سيكون إجبارياً سقوط موعد 6 أيار وتحديد أسس جديدة لانتخابات سليمة قانونياً.

وهذا الأمر، في حال حصوله، ينسف العملية الانتخابية من أساسها قبل أيام قليلة من موعدها. ويبدو هذا السيناريو مستحيلاً في بلدٍ تُداسُ فيه القوانين والدستور.

إذاً، في الحالات الثلاث التي تواجهها الانتخابات، هي مهدَّدة بالسقوط… إلاّ إذا جرت تغطيتها بـ… السكوت، ترغيباً وترهيباً، كما هو الأمر في ملفات كثيرة كان يتمّ التعاطي معها على أساس أنها فضائحية… قبل أن يتواطأ أركان الطاقم السياسي في ما بينهم، ويغسل بعضُهم لبعض الأخطاء والخطايا، مصلحياً، ويُصدِروا لأنفسهم شهادات الإبراء بعد أحكام الإدانة.

كل المخالفات التي تحدّثت عنها الهيئات الأهلية، وكشفتها وسائل الإعلام، وربما تداولتها التقارير عبر السفارات، لا توازي بأهميّتها استقالة اللقيس والشهادة التي أدلت بها. فقد «شهِد شاهدٌ من أهلِها».

فهي استقالت لئلّا تكون «شاهدة زور على عجز الهيئة»، ولأنّ «الممارسات المعتمَدة» لا تتّبع مسار «النزاهة والحياد». وفصّلت التجاوزات تحت 3 عناوين:


1 - التباطؤ، على مدى أشهر، في تأمين الموارد البشرية والمالية للهيئة: التأخير في إقرار الموازنة وتنفيذها، والتأخير في توفير المكان وتجهيزه، والتأخير في توظيف العاملين في مراقبة الإعلام والإنفاق. وبرامج قاعدة البيانات لتقديم الشكاوى ما زالت قيد الإنجاز حتى اللحظة، وكذلك الجهاز التنفيذي الذي عليه أن يدقق ميدانياً!


تحدّثت اللقيس عن «مجازر كبيرة في الإعلام والإعلان والإنفاق خلال 90% من فترة الحملة الانتخابية». وذكّرت بأنّ واجب الهيئة هو مراقبة الحملة وليس العملية الإنتخابية. وإلى أن تحصل الهيئة على بعض أجهزتها الضرورية، سيكون «اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب»!

لذلك، فالهيئة في حالِ عجزٍ عن التعامل السريع والفعّال مع الشكاوى إلّا بمستوى محدود جداً، خصوصاً لجهة التحقيقات الميدانية. وهي لم تعد قادرة على مراقبة لا الإعلام ولا الإعلان ولا الإنفاق. فإما أن تكون نيّة ذوي النفوذ أن يعرقلوا عمل الهيئة لتعطيلها، وإما -في الحدّ الأدنى- أن يكون هدفهم جعلها مجرّد «ديكور» للإيحاء بنزاهة الانتخابات.


2 - المسّ باستقلالية الهيئة وصلاحياتها بداعي التنسيق مع وزارة الداخلية. ففي المادة 9 من قانون الانتخاب، أنّ الهيئة تمارس صلاحياتها بصورة مستقلّة، بالتنسيق مع وزير الداخلية. و»التنسيق» يجب أن يعني التعاون لتسهيل عمل الهيئة وتوسيع مجالات تدخّلها، وليس العكس.

ولكن، في الممارسة، إنّ إقرار أيّ مسألة يتطلّب الذهاب والإياب من وزير الداخلية وإليه، علماً أنه مرشّح للانتخابات. وهذا الأمر مخالف لنصّ القانون وروحه. كما أنّ الوزارة وضعت يدها على بعض صلاحيات الهيئة الأساسية، ومنها مثلاً صلاحية تثقيف الناخبين.

وقامت الوزارة بحملة تتغنّى بعدد المرشحات، وتحذّر الناخبين من «البوظة المُشكَّلة»، من دون أيّ تثقيف حقيقي، فيما بقي المرشحون واللوائح يشرحون لمناصريهم- بشكل مؤذٍ للقانون غالباً- طريقة إستعمال «الصوت التفضيلي».


3 - تقليص صلاحيات الهيئة: عدّدت المادة 19 مهمات الهيئة ضمن 12 بنداً، ولكن، تمّ التعاطي مع الصلاحيات بنحو ضيق يحرم الهيئة من ممارسة مهماتها. ويعكس ذلك إرادة لتجريدها من قدرتها على معالجة مخالفات جسيمة ترتكبها لوائح تمثّل قوى نافذة في الدولة.

ومن ذلك القول إنّ الهيئة لا تمتلك صلاحية التأنيب أو الإنذار مثلاً، عند حصول مخالفات من الوزراء، بمَن فيهم المرشحون للانتخابات، لأن لهم حصانة! أي أنّ صلاحيات الهيئة تصبح محصورة باللوائح الصغيرة والمرشحين الصغار. وهذا ما يعمّق التمييز بين المرشحين ويوسّع بقعة الفساد في الانتخابات. وكأنّ الهيئة وُجِدت لضبط الضعيف وحده!

وكذلك، جرى اعتبار الهيئة وكأنها غير معنيّة بتصحيح وجوه الخلل التي تمسّ شرائح واسعة، وفي طليعتها ذوو الإعاقة، بحجة أن لا نصَّ صريحاً على ذلك وأنّ القانون أوكل المهمة إلى وزير الداخلية.

في أيّ بلد يقيم الحدّ الأدنى من الاحترام للقانون والمؤسسات، تكون وقائع من هذا النوع كفيلة بالطعن في الانتخابات. ولكن، على أرض الواقع في لبنان، كان لافتاً أنّ وزير الداخلية نهاد المشنوق ردّ على اعتراضات اللقيس بالإصرار على أنّ الوزارة تقوم بعملها في شكل محايد.

لكنّ كثيراً من المتابعين لا يعثرون على دليل لهذا الحياد. وعلى العكس، وبالوقائع، يشكو مرشحون ولوائح من سلوك الأجهزة الأمنية والإدارية، في عدد من الدوائر. ويبدو موقع وزارة الداخلية الإلكتروني شاهداً ملموساً على الانخراط في حملة الوزير الانتخابية.

يضاف ذلك إلى الكلام الكثير المتداوَل عن ممارسات يقوم بها ذوو السلطة لترهيب الناخبين أو ترغيبهم، من عكار شمالاً إلى جبيل وكسروان والمتن جبلاً، إلى العاصمة والبقاع والجنوب، وهي موثَّقة بالصوت والصورة ولا تحتاج إلى إثبات!

إذاً، الانتخابات «سارحة والربّ راعيها»… ولا مرجعيّة تتولّى المراقبة والإشراف على التحضيرات، بعد تكبيل هيئة المراقبة والإشراف، باعتراف أحد أركانها… وسكوت الآخرين.

فمَن سيتولّى حماية الانتخابات والضعفاء؟ و»إذا فَسَد الملح، فبماذا يُمَلَّح؟». والسؤال الذي ينتظر جواب المسؤولين: هل ستُجرى الانتخابات، على عِلّاتها، أي على رغم الفضائح والتجاوزات؟ وهل ستكون نتائجها شرعية؟ وكيف سيتمّ إقناع الهيئات المحلية والأوروبية والدولية بهذه الشرعية؟