رسم حزب الله استراتيجية ما بعد الانتخابات النيابية. لا دولة من دون المقاومة، ولحزب الله دور أساسي في السياسة الاقتصادية والمالية للدولة، ولمّح الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بأن لديه رؤية وخطّة شاملة. يؤشر مضمون الكلام إلى استعداد حزب الله لمرحلة سياسية جديدة تتخطى البعد العسكري، وتشمل تعزيز دور الحزب في مختلف المجالات. ما يعني أن مقولة فصل "الاقتصاد" عن القرار الاستراتيجي قد سقطت. يوازي حزب الله استعداداته السياسية في لبنان، بما يجري في المنطقة ككل. لم يكن محور الممانعة في حالة القوة كما هو واقع الحال اليوم. وهذا ما يقرأه الحزب بتفاصيله. وهو يرتسم في النتائج التي ستفرزها الانتخابات.

وفق التوقعات الأولية للحزب، فإنه سيحصل مع حلفائه على نحو 43 نائباً، بمعزل عن التحالف مع التيار الوطني الحر. وهذا يعني حصوله على الثلث المعطّل أو الضامن. وإذا أضيفت كتلة التيار الذي سيحصل على نحو عشرين نائباً، فإن تحالف 8 آذار أصبح على مشارف الأكثرية المطلقة. وهو قابل لاستقطاب كتل أو نواب آخرين، لا سيما بعض المنزعجين من تصرفات رئيس الحكومة سعد الحريري.

في دائرة بيروت الثانية، التي تعتبر المعركة الأساسية للمستقبل، سيمنى رئيس الحكومة سعد الحريري بضربة قاسمة، وفق الحزب. ويضمن الحزب حالياً ثلاثة مقاعد للائحته، المقعدان الشيعيان، ومقعد سنّي من المفترض أن يكون من نصيب المرشح عدنان طرابلسي. ويجري العمل للفوز بمقعد الأقليات. وهذا يستند إلى انخفاض مستوى التصويت لدى السنّة. بالتالي، انخفاض الحاصل الانتخابي بسبب تعدد اللوائح. وفي إمكان لائحة لبنان حرزان أو لائحة صلاح سلام الحصول على حاصل. ما يعني فوز اللائحة بمقعد سنّي آخر، فيما سيحتفظ الحريري بأربعة مقاعد من ستّة سنية. وهذه ستكون انتكاسة مستقبلية مدوية.

سينسحب ذلك على مختلف المناطق، وليس سنياً فحسب، وفق أوساط قريبة من الحزب. فقد خسر الحريري كثيراً من نوابه المسيحيين بفعل تحالفه مع التيار الوطني الحر وبفعل طبيعة القانون. وسيخسر مقعداً سنياً في صيدا، وآخر في البقاع الغربي. أما في الشمال أم المعارك السنية، فستحصل لائحة الرئيس نجيب ميقاتي على مقعدين سنيين في طرابلس، مقابل فوز كمال الخير أو جهاد الصمد. ويجري العمل لانجاح مرشّح علوي في عكار على لائحة النائب السابق وجيه البعريني. وهذا ينسحب على الكتل الأخرى، إذ لن يكون هناك كتل كبرى في المجلس على غرار الانتخابات السابقة، والتي حصل فيها المستقبل على نحو 35 نائباً، والتيار الوطني الحر على 27 نائباً. وهذا يعتبر مفصلاً مهماً جداً في المسار السياسي الحالي، على صعيد إدارة العملية السياسية داخل مجلس النواب، بالإضافة إلى انتهاء منطق الاحتكار السنّي، بحيث سيكون الحريري ممثلاً لنصف السنّة، والقوى الأخرى على اختلافاتها السياسية وغير السياسية ستمثّل النصف الآخر.

الأهم من ذلك، أن أي قرار سيتخذ داخل مجلس النواب لا يمكن أن يطعن به لجهة الميثاقية، ولا يمكن وضع أي خلاف أو صراع في خانة "سنّي- شيعي"، لأن هناك نواباً سنّة سيكونون إلى جانب خيارات الحزب. وهذا يمثّل انتصاراً استراتيجياً لحزب الله على مستوى المرحلة المقبلة. وعلى هذا الأساس، سترتسم التحالفات السياسية في مرحلة ما بعد الانتخابات، بخلاف التحالفات الانتخابية. وهو يعني تركيز العمل لاعادة لم شمل القوى المتفرقة من حول الحزب، كاعادة التيار الوطني الحر إلى كنف العلاقة بجانب حركة أمل، وعودة تيار المردة، والنائب طلال ارسلان، بالإضافة إلى الرهان على تقارب مع الحزب التقدّمي الاشتراكي بناء على التحالف مع حركة أمل. هذه التحالفات، وفق بعض المصادر، ستضع الحريري أمام موقف حرج سياسياً، بحيث سيبقى بحاجة إلى سند التيار الوطني الحر، وسيضطر إلى اتخاذ مواقف تنازلية تبقيه في حيثيته السياسية، لأن أي تصعيد سيقوده إلى العزل، أو إلى ما يشبه لحظة تكتل الجميع لتشكيل حكومة ميقاتي في العام 2010.