في مقال نشر قبل أيام، وتنبأ فيه بصيف حار ، كتب السفير الاميركي السابق في دمشق روبرت فورد، أن ايران لن ترد على الغارة الاسرائيلية الاخيرة على قاعدتها العسكرية في سوريا(تي فور) قبل السادس من ايار مايو، موعد الانتخابات النيابية اللبنانية ، التي تهم طهران وحليفها (حزب الله)، المعني بإنجاح هذا الاستحقاق السياسي في لبنان وتعزيز موقعه داخل المجلس النيابي المقبل.

السفير  فورد الذي كان من أول من طعنوا الثورة المدنية السورية في الظهر  عندما كان في دمشق، ثم عندما تردد على اسطنبول، وتدخل في تشكيل (وتعطيل) المؤسسات الاولى للثورة، لا سيما المجلس الوطني الذي كان له دور رئيسي في تخريب بنيته، والتحريض على زيادة حصة الاسلاميين فيه.. يضيف بهذا التحليل المثير  سبباً آخر لعدم أخذه على محمل الجد ، ولعدم الوثوق بتجربته التي تحول فيها من منفذ سياسات الرئيس باراك اوباما العدمية في سوريا الى معلق صحافي ثرثار ، يقيم الثورة السورية  من زاويتها الاسلامية فقط، ويعتبر  تاليا ان هزيمة الاسلاميين، هي نهاية الثورة، وليس العكس. وهو ما جاهر به مع بدء معركة الغوطة الاخيرة، على مليشيات وعصابات اسلامية، لم تشكل يوماً قيمة مضافة الى تلك الثورة، بل كانت على الدوام، عبئا عليها وحسما من رصيدها.

المهم الان، ان فورد يوسع مجال تحليلاته الفذة الى لبنان، ويعتبر ان الانتخابات اللبنانية هي أحد مفاتيح الحرب والسلم في المشرق العربي، وأحد كوابح المواجهة الحتمية بين إسرائيل وإيران.. وهو ما لا يثير من الضحك، بمقدار ما يثير من الذهول، من المرتبة التي إرتقى اليها الاستحقاق الانتخابي اللبناني، من دون ان يلاحظ أحد من اللبنانيين، المرشحين والناخبين، والمقيمين على مسافة من الجانبين.. يتفرجون من بعيد على ذلك"العرس الديموقراطي" الممل والعديم الجدوى.

تحليل فورد، فريد من نوعه. سبقته مواقف غربية عابرة، أثنت من حيث المبدأ على فكرة اللجوء الى الانتخابات بدل التسلل الى التمديد للمجلس النيابي، وبدل التسبب بالعودة الى الشارع.. لكنها كلها كانت تضع ذلك "الاستحقاق" في سياقه الصحيح،بوصفه تسلية لا بإعتباره معركة سياسية بين قوى تتصارع على إنتماءات وخيارات وبرامج متعارضة، تطمح الى تغيير  سياسات او حتى تفاصيل وهوامش ، أو تبشر على الاقل بتبديل وجوه ورموز الطبقة السياسية، وتؤسس لعملية تناوب على السياسة او على السلطة.

باستثناء السفير فورد، لا أحد في الخارج يتعاطى بجدية مع الانتخابات اللبنانية. قلة قليلة من المعنيين والمكلفين تنتبه اليها أصلاً، وهي تنظر  باهتمام الى ما بعدها: لا الى المفاجآت التي ستخرج من صناديق الاقتراع، وهي شبه معدومة، ولا تزيد على خمس او ست شخصيات جديدة تدخل النادي البرلماني، لن تؤثر في توزيع الحصص والمناصب على الرؤساء الثلاثة، بل الى الفترة الزمنية التي ستستغرقها عملية تشكيل الحكومة الجديدة، والى الخطة التي تنوي تلك الحكومة وضعها من أجل معالجة..ملف النزوح السوري، وما يحيط به من أمن وإقتصاد وإجتماع.

في الخارج، كما في غالبية الداخل، لا تخرج الانتخابات عن مسارها التقليدي الثابت منذ أن وجد لبنان، بصفتها مهنة تشغل نحو ثلث اللبنانيين في الحد الاقصى، وتنفر الثلثين الباقيين. وهي مناسبة إجتماعية وليست حدثاً سياسياً، يتلاقى فيها المهتمون ويتجاملون  ويتباهون ويتعاركون على مسائل محلية ضيقة ، أصغر من حدود الدائرة الانتخابية، تصل أحيانا الى الكراهيات داخل العائلة الواحدة والبيت الواحد.. لا تسهم في النهاية في عملية صناعة القرار الوطني اللبناني ، الذي يجري إنتاجه عادة خارج صناديق الاقتراع، ومناقضاً في الغالب لما تفرزه تلك الصناديق.

لم يفلح السفير فورد في إكساب الانتخابات اللبنانية قيمة تفتقر اليها، لا سيما في طهران او تل ابيب، اللتين لا ترسمان خططهما العسكرية والسياسية على أساس حفل إجتماعي يتسلى به نحو ثلاثين بالمئة من اللبنانيين، لا أكثر، وهو ينظم بشكل يتنافى كليا مع التحولات التاريخية التي يشهدها العالم المحيط بلبنان..