دعوات الشحن والتحريض، وزرع الانقسامات والفتن بين أبناء الصف الواحد، والطائفة الواحدة، بل والبيت الواحد، لا تمتّ للخطاب السياسي بصلة، وليس من شيم وأخلاق أهل بيروت وطرابلس، والمناطق اللبنانية الأخرى.
التنافس الانتخابي حق مشروع لكل مواطن، كفله الدستور، ونصّت عليه القوانين والشرائع الدولية، ذات الصلة بحقوق الإنسان، وهو جزء أساسي من العملية الانتخابية، فضلاً عن كونه جوهر الممارسة الديموقراطية.
لقد أصبح واضحاً، أن تصرّفات بعض المرشحين على لوائح السلطة، قد انحرفت بعيداً عن الأصول الديموقراطية، واحترام حق الآخر في الاختلاف، في ظل نظامنا الديموقراطي، الذي يُكرّس التعددية السياسية والحزبية، ولا يعترف بالأحادية القيادية، ولا بالاحتكار التمثيلي، بما يُشابه تفرّد الحزب الواحد بالسلطة، وتقرير مصير البلاد والعباد!
إن اللجوء إلى أساليب العنف، وقطع الطرقات، وقمع مؤيدي الخصوم الانتخابيين في اللوائح الأخرى على نحو ما حدث مع موكب الرئيس نجيب ميقاتي في القلمون، وما وقع مع مؤيدي اللواء أشرف ريفي في عكار، بل والاعتداء على أحد المرشحين، كما حصل مع الزميل علي الأمين أمس، يدل على خطورة الشعور بفائض القوة الذي يسيطر على تصرفات أنصار مرشحي السلطة، الذين يتصرّفون مع المنافسين على خلفية إلغاء الآخر، ونكران حقه الدستوري والديموقراطي في العملية الانتخابية، ترشيحاً واقتراعاً.
كما أن انتشار حوادث العنف في أكثر من دائرة، وتنقلها بين منطقة وأخرى، على أيدي جماعات السلطة، سيعرّض العملية الانتخابية برمتها للطعن بنزاهتها، ويفضح عدم حيادية السلطة في هذا الاستحقاق الدستوري، الذي تراقب مساره هيئات تابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعلى نتائجه تتوقف سمعة الدولة اللبنانية، ومدى التزام الحكومة بمبادئ الشفافية والنزاهة في أول انتخابات تجري على قاعدة النسبية، بعد تمديد قسري للمجلس النيابي الحالي، الأمر الذي قد تكون له انعكاسات سلبية على تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر»، والالتزامات المشروطة من قبل الدول المانحة، بضرورة مراعاة متطلبات الشفافية في تنقيذ المشاريع والشروع جدياً بإصلاح المالية العامة، واتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة للقضاء على الفساد ووقف الهدر المخيف في مالية الدولة، فضلاً عن الحفاظ على سلامة النظام السياسي الديموقراطي، بعيداً عن الهيمنات الحزبية والفئوية.
وتعتبر الاستقالة الجريئة لسيلفانا اللقيس من عضوية هيئة الإشراف على الانتخابات، بمثابة الإسفين الأول في نعش نزاهة الانتخابات، وفتحت الأبواب على مصراعيها أمام شكاوى الطعن من قبل المرشحين الذين يواجهون لوائح السلطة.
ولعل المستغرب في ظل هذه الأجواء من التوتر والعنف أن هيئة الإشراف على الانتخابات لم تتخذ موقفاً معلناً لإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي، وإنقاذ نزاهة العملية الانتخابية، كما أن القضاء لم يحرّك ساكناً لملاحقة الحوادث المخلة بالأمن، والتي يُهدّد بعضها السلم الأهلي، وبدا المشهد وكأن الوضع متروك لأنصار السلطة، لترهيب الخصوم الانتخابيين، وترويع الناخبين قبل النزول إلى أقلام الاقتراع!
لقد فات بعض أطراف السلطة أن هذا القانون الانتخابي الهجين يجعل من الصعوبة بمكان، إمكانية فوز لائحة بكاملها، طبعاً باستثناء دوائر الثنائي الشيعي في الجنوب، وبالتالي فإن وجود لوائح أخرى مسألة لا بد منها حتى يستقيم تطبيق هذا القانون، رغم كل علاته المعروفة، وإلا فإن الانتخابات تصبح لا ضرورة لها، إذا كانت ستقتصر على لوائح السلطة فقط.
إن استمرار ظاهرة التوتر والعنف المتنقل بين الدوائر الانتخابية، لن يكشف عدم حيادية السلطة ونزاهتها وحسب، بل سيؤدي إلى تشويه سمعة العهد الذي يرفع رئيسه شعارات الإصلاح والتغيير!
فهل مَن يُبادر إلى استدراك الأمور قبل أن يحصل المحظور؟