إيران وإسرائيل تسعيان إلى القيام بعمليات محدودة، تعكس عدم تراجع طهران عن تعزيز حضورها في سوريا وإصرار إسرائيل على وضع إطار محدّد لهذا الحضور
 

تقف إيران وإسرائيل على حافة حرب واسعة النطاق قد تندلع على الأراضي السورية، لكن يبدو أن الجانبين لا ينويان اتخاذ الخطوة الأخيرة التي ستلقي بهما إلى مستقبل مجهول في معادلة موازين القوة الإقليمية.

وبعد ضرب إسرائيل لمخبأ للطائرات كان يضم معدات عسكرية إيرانية في مطار التيفور العسكري بالقرب من مدينة تدمر السورية، في 9 أبريل الماضي، يمارس الجانبان عملية ردع استباقي عبر تهديد إيراني بالرد على الضربة، وتلويح من جانب إسرائيل بأنها ترصد عمليات الحرس الثوري الإيراني ومواقع وحداته في سوريا.

وأدخل سلوك الرئيس الأميركي دونالد ترامب إسرائيل في حالة “بارانويا” كبيرة، بالتزامن مع احتفال الدولة العبرية بمناسبة مرور 70 سنة على قيامها، إذ يعتقد الإسرائيليون أن الولايات المتحدة في ظل الإدارة الحالية تحولت إلى حليف لا يمكن الاعتماد عليه، ولا يمكن توقع سلوكه.

وفي السابق دخلت إيران في حروب قصيرة ومحدودة ضد إسرائيل، عبر قوى وسيطة هي حزب الله وحركة حماس، انعكست طبيعتها الميليشيوية على أساليب القتال والفترة الزمنية القصيرة التي استغرقتها المعارك، وعلى الخسائر الإسرائيلية المحدودة.

روسيا تمكنت من منع إيران من كسب موطئ قدم في القواعد العسكرية على الساحل السوري، لكنها لم تظهر أي قدرة على تحديد التحركات الإيرانية على البر

لكن إسقاط طائرة إسرائيلية من طراز أف 16 في فبراير الماضي، ومقتل إيرانيين في مطار التيفور هذا الشهر، كان أول اشتباك مباشر بين قوات إسرائيلية وإيرانية على الإطلاق.

ويبدو أن الجانبين لا يريدان تحمّل كلفة إشعال حرب واسعة النطاق، بل يسعيان فقط إلى القيام بعمليات محدودة، تعكس عدم تراجع إيران عن تعزيز حضورها على الأراضي السورية، وإصرار إسرائيل على وضع إطار محدّد لهذا الحضور الإيراني بالقرب من حدودها.

ويقول خبراء عسكريون غربيون إن الإسرائيليين وضعوا خطا أحمر لا يجب للقدرات العسكرية الإيرانية أن تتخطاه في سوريا، وأي ضربات مستقبلية على أهداف إيرانية ستكون من أجل الحفاظ على إبقاء هذه القدرات عند مستويات أقل من أن تشكل تهديدا كبيرا لأمن إسرائيل.

ويقول السير لورانس فريدمان، أستاذ دراسات الحرب في كلية “كينغز″ في لندن، إن “إسرائيل لا تريد التورط في حرب كبرى، ليس هناك أي إنجاز يمكن تحقيقه من احتلال أراض جديدة في سوريا، خصوصا أن كل تجربة احتلال لبيئات عدائية أثبتت في السابق صعوبات كبيرة بالنسبة للإسرائيليين”.

وأضاف “إسرائيل انسحبت من قطاع غزة وجنوب لبنان لأنها لم تتمكن من تكبيد السكان المحليين هزيمة حاسمة ونهائية، لكن بعد ذلك تحولت المنطقتان إلى منصات لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل”.

لكنها مع ذلك تبقي درجة الاستعداد عالية تحسبا لـ”انتقام” إيران من ضربة التيفور، التي أسفرت عن مقتل سبعة أفراد ينتمون إلى الحرس الثوري الإيراني. والأسبوع الماضي نشرت إسرائيل تفاصيل ما وصفته بأنه “قوة جوية” إيرانية موجودة في سوريا تضم طائرات مدنية يشتبه بنقلها أسلحة، وذلك في إشارة إلى احتمال استهدافها.

أموس يالدين المواجهة قادمة لا محالة بين إسرائيل وإيران إلا إذا تدخل بوتين لوقفها
أموس يالدين المواجهة قادمة لا محالة بين إسرائيل وإيران إلا إذا تدخل بوتين لوقفها
وعرضت وسائل إعلام إسرائيلية صورا التقطت بالأقمار الصناعية وخارطة لخمس قواعد جوية سورية زعمت أنها تستخدم لإيواء طائرات من دون طيار وطائرات شحن إيرانية، فضلا عن أسماء ثلاثة من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني يشتبه بإشرافهم على مشروعات مشابهة مثل وحدات الصواريخ.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان “لن نسمح لإيران بتعزيز موقعها في سوريا. نحن نواجه واقعا جديدا يتمثل في تعاون الجيش اللبناني مع حزب الله، بالإضافة إلى الجيش السوري، والميليشيات الشيعية في سوريا، وفوقهم جميعا إيران. كل هؤلاء يتحولون إلى جبهة واحدة ضد دولة إسرائيل”.

لكن ليست إسرائيل وحدها التي تشعر بأنها محاصرة على كل الجبهات، لكن إيران لديها نفس الشعور أيضا. فالقواعد العسكرية الأميركية تشكل حلقة تحيط بإيران جغرافيا، من تركيا والبحرين إلى أفغانستان. ويقول دبلوماسيون أميركيون عملوا في إدارات سابقة إن الخصم اللدود في عيون الإيرانيين ليس إسرائيل إطلاقا، ولكن السعودية، وحلفها الوثيق مع الولايات المتحدة.

ويؤكد الدبلوماسيون الأميركيون أنه بدعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، تحاول إيران إبعاد سوريا عن الانضمام إلى “طابور حلفاء الولايات المتحدة” في المنطقة، أكثر من رغبتها في إعادة بناء امبراطورية فارسية، أو أن “تلقي إسرائيل في البحر”، أو أي من هذه الشعارات التي تستخدم أساسا للاستهلاك المحلي.

وتتشارك إيران نفس الهدف الاستراتيجي في سوريا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويقول أموس يالدين، الضابط السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، إن “إيران مصرة على تعزيز نفوذها في سوريا، وإسرائيل مصرة على منعها. المواجهة قادمة لا محالة إلا إذا تدخل بوتين لوقفها”. لكن، من وجهة النظر الإسرائيلية، لا يبدو أن بوتين قادر على كبح إيران في سوريا، إذ يجمع الطرفين “تحالف صعب” لا يمكّن أيا من طرفيه التحكم بالآخر.

وتمكنت روسيا من منع إيران من كسب موطئ قدم في القواعد العسكرية على الساحل السوري، لكنها لم تظهر أي قدرة على تحديد التحركات الإيرانية على البر.

وفي وقت تستعد فيه الولايات المتحدة إلى سحب قواتها من سوريا، وفقا لرغبة ترامب، تشعر إسرائيل أن السياسة الأميركية في سوريا تعمل لصالح إيران أكثر مما تهتم بالحفاظ على مصالحها، وهو ما يهدّد بتدخل إسرائيلي أوسع نطاقا وبشكل منفرد، ردا على أي انتقام إيراني محتمل.