العلاقة بين تيار المستقبل والحزب التقدمي تشهد حالة من التوتر برزت مع تشكيل اللوائح الانتخابية، لتتعزز مع انفتاح المستقبل على خصوم وليد جنبلاط
 

أكد وزير الداخلية والبلديات والقيادي في تيار المستقبل اللبناني نهاد المشنوق، الأحد على العلاقة الاستراتيجية بين التيار والحزب التقدمي الاشتراكي، في محاولة لترطيب الأجواء المتوترة بين الطرفين ولطمأنة الحزب بأنه ليس هناك توجه لمحاصرته، كما يتم التداول أو كما تحاول بعض الجهات الإيحاء به.

وقال المشنوق إن “تاريخنا واحد مع وليد بيك جنبلاط وتحالفنا لن ينفك لأنه معمد بالدم وعروبتنا واحدة مهما فعل الآخرون، والغيمة ستعبر، وسيظل للمختارة وبيت الوسط عنوان واحد لا عنوانين، وهو شهداء القهر والظلم”.

 
عززت الخيارات الانتخابية لزعيم تيار المستقبل سعد الحريري هواجس الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، من وجود توجه لمحاصرته سياسيا، وسط استشعاره بأن الحريري يتخذ من التحالف مع التيار الوطني الحر أولوية

وشهدت العلاقة بين الجانبين حالة من التوتر في الأسابيع الأخيرة، برزت مع تشكيل اللوائح الانتخابية، لتتعزز مع انفتاح المستقبل على خصوم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الأمر الذي أرخى بظلال سلبية على مستقبل العلاقة بينهما ما بعد استحقاق الانتخابات النيابية المقررة في 6 مايو المقبل.

يرى البعض من المقربين لجنبلاط أن خيارات تيار المستقبل تخدم من يريد محاصرة “بيك المختارة”، وأن الأمر لم يبدأ في الأسابيع الأخيرة، بل إن إهمال هواجس جنبلاط أثناء الجدل حول إصدار قانون جديد للانتخابات، أعطى مؤشرات عن عزم لتهميش زعامة الرجل في الجبل، كما نفوذه داخل دوائر انتخابية أخرى.

إلا أن مقربين آخرين يقللون من وزن الأزمة ويرون فيها روحية انتخابية ستختفي بعد الانتخابات، ويؤكدون أن تاريخ العلاقة بين الجنبلاطية والحريرية، منذ رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، أعمق من أن تشوّش عليها ضوضاء انتخابية عارضة.

ويؤكد مراقبون أن الكلام المعسول عن “العلاقة التاريخية” لا يمكنه إخفاء وقائع يعتبر الجنبلاطيون أنها باتت تمثّل استفزازا يشبه الانشقاق عن طبيعة أي علاقة خصوصا إذا ما وصفت بالتاريخية.

ويضيف هؤلاء أن رئيس تيار المستقبل لم يف بوعده عند تركيب لائحة البقاع الغربي، فتم إقصاء المرشح عن المقعد الأرثوذكسي أنطوان سعد عنها، وأنه رفض مراعاة مصلحة جنبلاط في الشوف التي تعتبر معقلا للاشتراكيين، وهو أمر أدى إلى رفض جنبلاط دعوة الحريري للمشاركة في جولة قام بها على بلدات الشوف السنية.

وكان تيار المستقبل قد حشد جمهوره في مدينة برجا في إقليم الخروب في الشوف الأسبوع الماضي، فيما لمّح الحريري ممازِحا إلى الإشكال الذي يعتري علاقته مع زعيم المختارة، غير أن المراقبين رصدوا امتعاضا اشتراكيا رد فيه الحزب التقدمي على الحريري من خلال توجيه دعوة إلى “شباب وأهالي الإقليم” إلى “لقاء دار المختارة وقائد المسيرة تيمور وليد جنبلاط”، مع طلب “أوسع مشارَكة في يوم الوفاء لأهل الوفاء، السبت (الماضي)، لنجدّد العهد مع صاحب العهد والوفاء”.

وفي أمر زيارة الحريري للشوف يقول جنبلاط للصحافة المحلية إنه “من الواضح أن الرئيس سعد الحريري أراد ضمنا أن يذهب منفردا إلى إقليم الخروب، وبالتالي لم تكن توجد ضرورة لوجودنا إلى جانبه هناك”.

وأضاف: لقد دعاني إلى المشاركة في لقاءاتِ الإقليم، لكنني اعتذرتُ لأنني لمستُ أنّ مضمون الدعوة يحمل طابعا فئويا و”تفضيليا”، يُستنتج منه أنّ الاحتفال هو لتيار “المستقبل” فقط، وكأنّ المطلوب أن نكون ملحَقين به أو ضيوفا عليه، وهذا الأمر لا يمكن أن نقبلَ به.

وترى دوائر الحزب التقدمي الاشتراكي أن تيار المستقبل يرجح التحالف مع التيار الوطني الحر برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل، ويتعامل معه بصفته أولوية على أي تحالفات، بما فيها تلك “التاريخية”. وتتهم هذه الدوائر “المستقبل” بأنه يخدم أجندة باسيل في تصفية حسابات تياره مع جنبلاط والجبل.

نهاد المشنوق: تاريخنا واحد مع وليد بيك جنبلاط وتحالفنا لن ينفك لأنه معمد بالدم

وتقول بعض المراجع السياسية الدرزية إن أمر ذلك كان شديد الوضوح والجزم في الجولة التي قام بها الحريري على حاصبيا وخلوات البياضة والشوف من دون التنسيق مع جنبلاط، الزيارات التي قام بها زعيم “المستقبل” إلى منطقتي البقاع الغربي والبقاع الأوسط دون أي مشاركة أو تنسيق مع الاشتراكيين.

وحول زيارة الحريري لحاصبيا قال جنبلاط إنه “في السياسة لا يستطيع المرءُ أن يتحالف مع كل الجهات في وقت واحد.. أنا اخترتُ التحالفَ مع تيار ‘المستقبل’ و’القوات اللبنانية’ والمستقلّين حيث يكون هناك وجودٌ مشترَك وبقيتُ منسجما مع هذا المعيار في كل الأماكن المعني بها، أما التحالف مع أطراف متعارِضة فهو شأنُ رئيس تيار ‘المستقبل'”.

وكان الوزير السابق وائل أبوفاعور قد علق على زيارة الحريري إلى حاصبيا وتحالفه مع رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان، هناك، بأن الدخول إلى البيوت “لها أبوابها وباب حاصبيا هو وليد جنبلاط”، غامزا من قناة إرسلان واصفا إياه بـ“المدخل الضيّق”.

وتلمـح أوساط قريبة من تيار المستقبل إلى أن هناك غضبا ضد أبوفاعور شخصيا واتهامات تطاله بأنه واحد ممن حرّض ضد الحريري في الرياض وأنه وراء أزمة استقالة الحريري الشهيرة في نوفمبر الماضي، غير أن الأمر يبقى غير مؤكد وغير رسمي وليس من تصريحات علنية واضحة في هذا الشأن كما في شأن أسماء أخرى، بينها زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.

والمفارقة أن تراجع العلاقة بين “المستقبل” و”الاشتراكي” يتواكب مع أعراض تقارب بين الأخير وحزب الله. فقد غرّد جنبلاط على تويتر بشكل ودي تجاه “المقاومة”، فيما تؤكد مصادر على تواصل بين “الاشتراكي” والحزب من خلال النائب الاشتراكي أكرم شهيب ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله.

وبالمقابل أشاد رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” (كتلة حزب الله في مجلس النواب)، النائب محمد رعد، بالمواقف ذات الدلالات الخاصة التي يطلقها النائب جنبلاط، في غداء أقيم في بلدة كفركلا لأعضاء كتلة “الامل والوفاء” عن دائرة مرجعيون- حاصبيا- النبطية – بنت جبيل، وكأنه يبعث برسائل ودية عبر النائب أنور خليل إلى زعيم “الاشتراكي”.

وفيما يشوب مستقبل العلاقة بين جنبلاط والأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، خلاف في موضوع سوريا والموقف من نظام بشار الأسد كما من سلاح الحزب عامة ودوره الميليشياوي في البلد، فإن العلاقة بين “زعيم المختارة” وزعيم حركة أمل، رئيس مجلس النواب نبيه بري، متينة يتبادل على أساسها الرجلان الخدمات والدعم المتبادل. وتقول أوساط “الاشتراكي” إن جنبلاط مرتاح إلى تحالفه القديم مع بري وأن ذلك برأيه كفيل بإجهاض أي “مؤامرات” تحاك ضده وضد الجنبلاطية السياسية في لبنان.