ركّزت الدعاية المضادة للرئيس نجيب ميقاتي على أنه جاء ليشكل حكومة القمصان السود وأن وجوده في الحكم كان لصالح "حزب الله" وتفريطاً بحقوق السنة ، وإستلحاقاً بالمحور الإيراني ، بالإستناد إلى ظروف وصول الرئيس ميقاتي إلى رئاسة الحكومة.
لكن مراجعة هادئة لمسار الأحداث ، تفتح الباب أمام كشف وقائع تخالف هذه الدعاية ، وتوجب التوقف عند بعض المحطات التي شكلت مواقف ميقاتي تجاهها محطاتٍ مفصلية في الدفاع عن الوجود الإسلامي في الدولة ، وعن إتفاق الطائف ، من دون تنازلات أو إنزلاقات سياسية أو إستراتيجية ، فدخل حاملاً ثوابت دار الفتوى ، وخرج رافعاً راية الطائف والدولة ، بعيداً عن المزايدات والشعارات الصاخبة ، التي كان إرتفاعُ سقفها مؤشراً لحجم التنازلات المتوقعة من أصحابها.


• تقييم قيادي في 14 آذار لأداء ميقاتي


يقول قيادي مسيحي في قوى 14 آذار: 
إختلفنا مع الرئيس ميقاتي في مقاربة الوضع الحكومي بعد إقصاء الرئيس الحريري ثم إختياره لتشكيل الحكومة وعلى هذا الأساس لم نشارك فيها.
لكن ينبغي الإعتراف بأن الرئيس ميقاتي عمل جاهداً لضمّ مكوّنات ثورة الأرز إلى حكومته ، وفاوض القوات اللبنانية وحزب الكتائب والمستقلين ودعا تيار المستقبل للمشاركة وأجّل إعلان حكومته أكثر من مرة ، من دون أن يُوفق إلى ذلك سبيلاً..

ورغم ذلك ، بقيت الخطوط مفتوحةً بين السراي الحكومي ومعراب والصيفي ومجمل القوى المستقلة غير المشاركة في التركيبة الوزارية ، وإستمرّ التواصل قائماً ، ومع تمسّك ميقاتي بالكثير من عوامل التوازن ، سارعت أبواق "حزب الله" إلى التهجّم عليه والترحّم على أيام الرئيس سعد الحريري..!

• الحفاظ على الطائف

ويضيف القيادي المسيحي: لقد كنا شاهدين كيف كان ميقاتي يعمل على إبقاء ميزان إتفاق الطائف على طاولة مجلس الوزراء ، وكان درعه في مواجهة الإختلال في ميزان القوى الميداني والسياسي ، خاصة أن جميع القوى لا تزال تعترف بالطائف وتسلّم به ، ولو على مضض ، على أنه الدستور الساري المفعول.


ويتابع القيادي المطلع على تفاصيل تلك المرحلة : لقد تابعنا كيف حمى ميقاتي القيادات والمواقع السنية في الدولة ، ومن هذه الجهود ما هو معروف ، ومنها ما هو غير معلن .
وعلي سبيل المثال ، فإن التصدي للحملة على القضاة السنة وأولئك العاملين في المحكمة الدولية بمختلف مراحلها ، ومنع إزاحة اللواء الشهيد وسام الحسن واللواء أشرف ريفي وفريقهما في قوى الأمن الداخلي ، إستوجب عملاً دؤوباً ، على المستويين الداخلي والخارجي ،  ومواجهة مباشرة وشرسة مع "حزب الله" الذي كان يقوم حملات الإقصاء ضد كل التركيبة الأمنية والقضائية التي أسّست للمحكمة الدولية ، تحت عنوان ما أسماه "شهود الزور" ، والجميع يذكر حجم تلك الحملات وشراستها.
في المقابل ، كان ميقاتي يتمسّك بتسديد حصة لبنان من نفقات المحكمة الدولية رغم الإعتراض المعلن من "حزب الله" على أساس المحكمة وإعتبارها صهيونية وأميركية تخدم أهداف العدو الإسرائيلي.

 

• الدفاع عن عبد المنعم يوسف: سابقة في تاريخ رئاسة الحكومة

 

إضافة إلى ما تقدم ، تبرز حالة الدكتور عبد المنعم يوسف الذي رفع الرئيس الحريري الغطاء عنه ، تاركاً "حزب الله" وكل المتضرّرين من تصدّيه للحزب وللفساد في هيئة "أوجيرو" ينكلون به سياسياً وقضائياً وإعلامياً ، في مشهدٍ مرعب لكل سنـّي يتولّى مركزاً قيادياً في الدولة.
أثبت يوسف أمام قوس العدالة براءته من كلّ ما نـُسِب إليه ، وتراجع النائب حسن فضل الله عن إفتراءاته علناً ، ونسب تيمور جنبلاط الحملة "الإشتراكية" عليه إلى النائب وائل أبو فاعور ، وثبت النائب بطرس حرب مع يوسف حتى إنجلى غبار المواجهة..
لكن الحدث الأهم في هذا الملف حصل في مكانٍ آخر ، وكان بطله المجهول الرئيس ميقاتي ، الذي ترك وراءه حصانته النيابية والرئاسية ، ليقف أمام القضاء مرافِعاً ومنافحاً عن عبد المنعم يوسف في سابقةٍ رائدة أسهمت في توضيح الحقائق وفي إفهام الجميع رفض الإستفراد بأي موظف سُـنـّي في الدولة.

 

 

• قيادي سيادي: ميقاتي شكّل حاجزاً أعاق مشروع "حزب الله" 


يختصر القيادي الإستقلالي حديثه حول تجربة الرئيس ميقاتي بالقول: صحيحٌ أن ميقاتي لم يكن صاحب شعاراتٍ صدامية مع "حزب الله" ، لكنه شكّل عائقاً حقيقاً أمام مشروع الحزب في إستيلائه على الدولة ، ومنع تقدّمه في تفكيك مفاصلها وإبتلاعها ، وهذه الخلاصة توصّل إليها الحزب سريعاً ، وترجمه حملةً عنيفة عبر نوابه ووسائل إعلامه والحشد السياسي الرديف ، مثل وئام وهّاب وسالم زهران وغيرهما..


• خيبة "حزب الله" الكبيرة من ميقاتي

 

إعتقد أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله أن بإستطاعته تطويع نجيب ميقاتي في السلطة ، وأن يستغلّ غضب الرئيس سعد الحريري لإضعاف من إفترض أنه سيكون "رئيس حكومة الحزب" ، لكنه سرعان ما إكتشف أنه مخطئ في إفتراضه ، فتحوّل العمل الحكومي إلى صراعٍ باردٍ ، وإستمرّ الضغط على ميقاتي لإحراجه ومن ثم إخراجه ، إلى أن جاءت مسألة التمديد للواء أشرف ريفي ، بما حملته حينها من أبعادٍ سياسية حادة ، إنتهت بعدم المساواة بين ما تم إعتمادُه من تمديد لقائد الجيش وما كان يفترض أن يتمّ أيضاً لمدير عام قوى الأمن الداخلي.


إستقال الرئيس ميقاتي ، من دون أن يترك وراءه أثراً لتنازلٍ في أيّ موقعٍ من مواقع الدولة ، ومحافظاً على مكانة رئيس الوزراء ، وضنيناً بثوابت دار الفتوى وبثوابت الدستور في الحفاظ على العيش المشترك ، داخل الدولة بالتمسك بالدستور ، وخارجها بالإعتناء والإشتغال على حُسن إدارة التنوع اللبناني ، كما هي المعادلة الذهبية للبلد.


لم يرفع ميقاتي شعاراتٍ عالية السقف ثم يرتكس عنها مقدماً المزيد من التنازلات غير المبررة.. ولم يعقد 43 جلسة حوار مع "حزب الله" لم تستطع أن تنجز أي حلٍ لأي إشكاليةٍ طـُرحت على طاولتها ، ومنها "سرايا (زعران) المقاومة" وغزوها للمناطق السنية ونشرها الفساد فيها.
Cut

• أفق جديد لميقاتي بعد فشل خصومه في إلغائه

يخوض ميقاتي اليوم إستحقاق الإنتخابات
النيابية في ضوء تجربةٍ لم تـُفلح آلة الإعلام السوداء لـ"حزب الله" في تشويهها ، وفشلت حملات تيار المستقبل في ضربها ، وبقي إبن طرابلس قريباً من أهله مقدّماً لهم كتاباً أبيض يتعهّد فيه بالإتيان بالدولة إلى الفيحاء وبتوفير فرص الإستثمار الصحيحة للشراكة بين القطاعين العام والخاص ، من دون أن يفقد أفقه الوطني والعربي والدولي.

 

تقرير صادر عن المؤسسة اللبنانية للإعلام والتنمية