ندعو إلى وضع عنوان إنقاذ الأوقاف في حملة تيار المستقبل الإنتخابية
 
إشكالية العقار الوقفي رقم 147
 
"ورد على بعض مواقع التواصل الإجتماعي خبر مفاده أنه سيتم وضع حجر الأساس لمشروع إستثمار العقار الوقفي الخيري رقم 147 بساتين الميناء قرب سنترال الميناء وذلك بحضور الرئيس سعد الحريري ومفتي الجمهورية اللبنانية. (وقف محمود بك السنجق).
إن هذا الخبر ليس صحيحاً ومازالت اللجنة القضائية في المجلس الشرعي اﻹسلامي اﻷعلى تتابع درس هذا المشروع لتضع تقريرها وعلى أن ينظر به لاحقاً المجلسُ الشرعي اﻹسلامي اﻷعلى بكامل أعضائه برئاسة سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية ليبنى على الشيء مقتضاه الشرعي اﻹسلامي. وعلى مروجي هذا الخبر أن لا يحرقوا المراحل لأنه من إستعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه." 
 
مدخل على واقع التفريط بالأوقاف 
 
بهذا التوضيح فتح المحامي همام عبداللطيف زيادة (عضو  اللجنة القضائية وعضو  المجلس الشرعي اﻹسلامي اﻷعلى في لبنان عن مدينة طرابلس) النقاش حول حقيقة ما يجري بخصوص العقار الوقفي الخيري رقم 147 بساتين الميناء وما يحمله خبر وضع الحجر الأساس لمشروع إستثماره (بناء مجمّع تجاري) بحضور الرئيس الحريري من إشارات سلبية ، نظراً للإشكالية التي تحيط بهذا المشروع منذ سنوات ، نظراً للتدخلات السياسية ومحاولات إقتناصه من قبل بعض حيتان المال ، لأن المطروح هو عملياً إستيلاءٌ تحت عنوان التأجير لمدة 99 سنة ، وهذه طريقةٌ إحتيالية لتجاوز قاعدة منع بيع الأوقاف ، يتم إعتمادُها لتضييع أوقافٍ أخرى مثل وقف بربر وغيرها من الأراضي الوقفية في أبي سمراء وبساتين طرابلس وغيرها.. وهذا الأمر يجري بصمتٍ مريب ويستدعي الإستنفار والتحرّك السريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذُه.
 
محاولات الإستحواذ
 
أما في ما يتعلّق بالعقار رقم 147 بساتين الميناء الكائن قرب السنترال ، فإنه دون شك واحدٌ من أفضل العقارات التابعة لأوقاف طرابلس وأكثرها قيمة ، ومنذ قرابة العشر سنوات تجري بشأنه مفاوضات ومحاولات للإستحواذ عليه ، ومنذ خمسة أشهر تقريباً وافق مجلس أوقاف طرابلس ، من باب التوصية ، على عرض أحد رجال المال والأعمال بإستثماره لمدة 45 سنة بدعوى أن الإستثمار يحتاج مدة زمنية طويلة ليعود بالريع المنتظر ، من دون أن يتساءل المعنيون عن مصير العقار بعد وضعه بيد المستثمر طيلة هذه المدة ، خاصة أن عقارات وقفية باتت في حكم المفقودة بعد تأجيرها لفترات زمنية طويلة ، والحقيقة أن هذا النوع من التأجير ليس سوى طريقة لتنفيع البعض من أوقاف المسلمين على حساب المصلحة العامة.
 
والأمر الذي أثار الهواجسوالتساؤلات أيضا أنه قبل صدور أيّ قرار عن اللجان المختصة في المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى ، تم وضعُ سورٍ حول العقار ، في محاولةٍ لفرض أمرٍ واقع ، الأمر الذي أثار حفيظة سماحة مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان وإستياءه لتجاوز الأصول ومحاولة تجاوز الإطار المؤسساتي الذي يضبط عمل المجالس الوقفية.
 
من يحاول توريط الحريري في الملف؟
 
تلا هذه الخطوة محاولاتٌ لدى الرئيس الحريري لتشجيعه على التدخل في هذا الملف ، وقدّم المحيطون بالمستثمر المشار إليه سلسلة مبرّرات لحضور الحفل بإعتباره مدخلاً لتأمين 800 فرصة عمل لأبناء طرابلس ، ويقول المعترضون على هذا المسار إن دخول الحريري على الخط أدى إلى تكليف نائب رئيس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى المحامي عمر مسقاوي بوضع صيغة إتفاق تتضمن بنداً ينصّ على إلغاء الحجر الأساس في حال لم يحظَ المشروع الإستثماري بموافقة المجلس.
 
هل حقا يشكل المشروع فرصة تنموية؟
 
من خلال إستعراض الخطوات المتدرجة في هذا الملف ، يتضح أن هناك من يستدرج الرئيس الحريري إلى كمينٍ وفخٍ لصالح بعض حيتان المال ، وإقناعه بأن وضع حجر الأساس سيكون مكسباً إنتخابياً قـُبيل الإنتخابات النيابية الداهمة.
هذا الأمر كان ليكون صحيحاً لو أن المشروع يسلك مساره السليم ، لكنه في الحقيقة يكاد يشبه العملية الوهمية المتمثلة ببيع الأماني مقابل الأوهام ، لأن من غير المنطقي الإعلان عن الحجر الأساس قبل الحصول على موافقة المجلس الشرعي ، وهي موافقةٌ غير مضمونة على ما يبدو في ضوء الألغام التي تحيط به ، خاصة مع وجود علامات إستفهام حول دور المفتي الشيخ مالك الشعار ونجله في هذه العملية التي تلقى إعتراضاً واضحاً من عدد وافر من أعضاء المجلس الشرعي.
 
 
الحريري: موقفٌ حرِج
 
 
الواضح أيضاً أن الرئيس الحريري ، الساعي لتبني إنجازٍ يساعده في السباق الإنتخابي يقف الآن أمام محطة حرجة ، لأنه إذا صحّ حضورُه لوضع الحجر الأساس لمشروع المجمع التجاري ، سيكون قد أدخل نفسه في إشكالية حقيقية ، نظراً للتعقيدات التي لا تزال تكتنف الموقف في المجلس الشرعي ، وفي حال عدم الموافقة ، ستكون سابقةً بإلغاء الحجَر الأساس الموضوع بحضوره ، فضلاً عن أن هذه الخطوة هي بمثابة وضع العربة قبل الحصان.
 
ربما يريد بعض من سوّق الخطوة أمام الرئيس الحريري تحقيق مكاسب خاصة ، غير مبالين بالسلبيات الناجمة عنها على رئيس الحكومة من جهة ، وما يمكن أن تثيرَه من مخاوف إضافية على الأوقاف الإسلامية وطريقة الحفاظ عليها من جهة ثانية.
 
يقول منتقدو الرئيس الحريري إنه وضع الكثير من أحجار الأساس من دون أن تنفـّذ المشاريع ، ويستدلون بأن في القلمون المجاورة وحدها خمسة من هذه الأحجار لخمسة مشاريع لم ترَ النور ، ولا نريد لهذا الحجر أن يصبح شاهداً على سابقةٍ نعتقد أن رئيس الوزراء لا يريد أن يكون واضعَها.
 
لا يحتاج الرئيس الحريري الدخول في مثل هذه الإشكالات في معرض حملته الإنتخابية المثقلة بالتحديات ، وخاصة في طرابلس ، لأن هناك من سيعتبر أن تدخله في هذا المشروع سيشكل إقحاماً للمؤسسة الدينية في العملية الإنتخابية ، وستجلب المزيد من المنتقدين والناقمين بإعتبارها مخالِفة للمنطق وللأصول المعمول بها ، حسب خصوم الحريري.
 
دعوة الحريري لإستنقاذ الأوقاف 
 
إن النقاش حول هذا الموضوع هو مدخل للطلب من الرئيس الحريري فتح ملف الأوقاف بشكل خاص في طرابلس ، والإنتقال إلى عكار والبقاع وبيروت والبترون وبقية المناطق ، بدعم ومؤازرة سماحة المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان ، للقيام بورشةٍ إصلاحية ، هي في الحقيقة أهم من مشروعٍ مصبوغٍ بالشبهات ، لأن موارد أوقاف طرابلس غنية ومتنوعة ، وهي كفيلةٌ بتحقيق تنمية تستجيب لحاجات المسلمين وتؤمّن لهم كثيراً من الفرص في الإستثمار والعمل الإنتاج.
 
الرئيس الحريري مدعوٌ لوضع هذا العنوان في حملته الإنتخابية ، ونحن نؤكد أن هذا الأمر سيكون أكثر أهمية بكثير من عملية إستدراجه إلى فخٍّ فيه شبهة التفريط بوقف المسلمين ، ولن يُؤتي أُكُلَه الإنتخابي المنتظر ، فالإستثمارُ في الخير الواضح ولو بدا حصادُه محدوداً أجدى من الإستثمار في مشروعٍ  تحيطه الشبهات وإن بدا أنه سيحصد الأصوات في زمن الإنتخابات المغمّسة بالصوت التفضيلي.