مع بدء العدّ التنازلي لموعد السادس من أيار بدأت معالم المعركة الإنتخابية تتوضح أكثر فأكثر، مع ما يرافقها من إستنفار على كل الجبهات، بعدما نزلت كل القوى السياسية بسلاحها الأبيض تمهيدًا للمواجهة الحاسمة وجهًا لوجه، خصوصًا أن من كان يعتقد أن المقاعد النيابية التي يطمح إليها أصبحت في جيبه، وإن كانت التوقعات حول الأعداد النهائية غير محسومة النتائج، نظرًا إلى ما يمكن أن يطرأ من مفاجآت غير محسوبة في الساعات الأخيرة، التي تسبق المعركة، بعد أن يكون الخيط الأبيض قد فرز عن الخيط الأسود، وهذا ما يعّول عليه الأشخاص الذين لم تتلوث أيديهم بقصص الفساد ولعبة السلطة.

 

ومن بين الأسلحة التي بدأت تطفو على سطح المعركة الإنتخابية محاولات البعض إفتعال مواجهات وهمية بما يشبه مقارعة طواحين الهواء، من دون أن تؤخذ في الحسبان الإمكانية المتاحة للناس لمحاسبة الأشخاص أو الأحزاب أو التيارات السياسية في صندوقة الإقتراع، وإن كانت نسبة الوعي لم تصل إلى الحدود المرتجاة بفعل ما يُمارس على فئات معينة من الناس من سياسة تهويلية، سواء تلك التي تأخذ طابع التهديد والوعيد أو الإغراء، بعدما بلغت الوقاحة بالبعض حدًّا لم يعد من الجائز السكوت عنه، وكأن القوانين موضوعة فقط لأشخاص معينين، أو كأن المراقبة والمحاسبة غير خاضعة لمعايير عامة يُفترض أن تطال من هم في السلطة قبل غيرهم.

 

ولأن الوقت أصبح داهمًا، ولأن لا شيء يُمكن أن يعّوض على الذين كانوا يتلهون في زمن الزرع نجدهم يلجأون إلى كل الوسائل، المسموح بها وغير المسوح، محاولين ذرّ الرماد في العيون، وذلك عن طريق إفتعال معارك وهمية في غير محلها الصحيح، وهم لا يملكون في الأساس سوى لغة التحريض بكل أوجهه، أو لغة الشتائم الرخيصة التي باتت ممجوجة لكثرة تكرار إستعمالها من غير طائل.

 

أسبوعان يفصلان اللبنانيين عن أهم إستحقاق في حياتهم الديمقراطية، وهم جديرون هذه المرّة على التمييز بين من كان يزرع الريح وبين من كان يسعى إلى أن يكون لزرعهم في الأرض الطيبة ثمارٌ يُستفاد منها يوم الحصاد.

 

فمن لم يكن إلى جانب أهله في السنوات التسع الماضية لن يكون حتمًا معه في هذين الاسبوعين، وبالتأكيد في السنوات الأربع الآتية، وهذا أمر أصبح واضحًا وضوح الشمس من غير لبس أو إلتباس. 

 

فمن زرع الريح لن يحصد سوى العاصفة، ومن زرع زؤانًا لا ينتظر ان تعطيه الارض الصادقة قمحًا.

 

 في 6 ايار نحن على موعد مع الحقيقة على رغم الممارسات التي يقوم بها من يخاف من صوت الناس ومن حكمهم عليهم، لأنهم أخطأوا مرة وسلموهم رقابهم، فلم يكونوا في مستوى تحمّل المسؤولية التي أوكلت إليهم فخيبوا آمال من وثقوا بهم في غفلة من الزمن بعدما باعوهم ماء في "حارات السقأين" ووعدوهم بالمن والسلوى، فلا كان منٌ ولا كان سلوىً.

 

في 6 ايار سيصنع الناس مستقبلهم بأيديهم، وذلك من خلال خياراتهم الجريئة ووفق ما يمليه عليهم ضميرهم الوطني، بعيدًا عن الضغوطات والعواطف التي لم توصلهم إلا إلى الطريق المسدود وإلى الافق المجهول.

 

 

 

اندريه قصاص