جيوش على الأرض لإسقاط اللافتات وأخرى إلكترونية لتسقيط المرشحين، والإطاحة بالمنافسين بدل الترويج للبرامج
 

يُقابِلُ الأهميةَ الكبيرةَ التي تكتسيها الانتخابات العراقية المقرّرة للثاني عشر من مايو القادم، وارتفاع سقف التوقّعات والآمال المعلّقة عليها، انحدارٌ شديد في مستوى الحملة الانتخابية التي يخوضها المرشّحون سعيا للفوز بها متجاوزين خطوطا حمراء، سياسية وحتى أخلاقية، ومركّزين على الإطاحة بمنافسيهم أكثر من انشغالهم بالترويج لأفكارهم وبرامجهم التي كشفت الحملة عن غيابها شبه الكامل، عدا بعض الشعارات العامّة والغائمة الأقرب إلى الدعاية التجارية.

وما يعمّق المفارقة أنّ القوى السياسية المشاركة في الانتخابات بادرت قبل انطلاق الحملة إلى التوقيع على “ميثاق شرف انتخابي”، في إجراء بدا لمراقبين خارجا عن المألوف، وغير مبرّر سوى بانعدام ثقة المكوّنات السياسية ببعضها البعض، وتوقّعها بشكل مسبق، خروج الحملة عن قواعد التنافس الشريف وأخلاقياته، وهو ما تحقّق بالفعل.

ونشط المرشحون، ومن يساندهم من إعلاميين وناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي، في الهجوم على خصومهم ومنافسيهم بكيل التهم التي تصل حدّ الطعن في الشرف والدين والاتهام بدعم الإرهاب.

وبرزت بشكل جليّ ظاهرة إتلاف وتشويه اللافتات الانتخابية، وهي ظاهرة مزدوجة يمارسها البعض بتلقائية تعبيرا عن الغضب من الطبقة السياسية وعدم الثقة بها، لكنّ كثيرين يمارسونها بشكل منظّم ولحساب مرشّحين آخرين مقابل أجر مادّي ووعود في حال الفوز بالانتخابات من قبل توفير الشغل والسكن، وفق ما تؤكّده مصادر عراقية.

وصُدم الرأي العام العراقي بقضيّة إحدى المرشّحات للانتخابات ضمن تحالف رئيس الوزراء حيدر العبادي المسمّى “ائتلاف النصر” راج شريط فيديو على شبكة الإنترنت يصوّرها في وضع مخلّ بالآداب العامّة.

ورغم أنّ المرشّحة لم تتردّد في مواجهة الموقف بشجاعة وثقة والظهور على إحدى الفضائيات، نافية بشكل قطعي صحّة الشريط، ومتحدّية مروّجيه بأن يثبتوا عكس ذلك، ومؤكّدة أن الهدف من العملية كلّها محاولة إسقاطها سياسيا، إلاّ أنّ قرار الائتلاف المذكور باستبعاد المرشّحة شكّل الصدمة الأقوى، إذ مثّل حسب متابعين للحملة الانتخابية إدانة لها واستسلاما للجهات التي وقفت وراء عملية التشهير بها.

وقال حسين العادلي، المتحدث الرسمي باسم ائتلاف النصر لوكالة الأناضول، إنّ “هناك مواصفات لكل مرشّح وعندما يتم الإخلال بها يستبعد من المشاركة في الانتخابات، لذا تم اتخاذ القرار من قبل ائتلاف النصر باستبعاد المرشحة”.

 
أهمية الانتخابات العراقية القادمة وقيمة الأهداف المراد تحقيقها من خلالها، لم تحفّزا المرشّحين على إحكام برامجهم والارتقاء بخطابهم السياسي، بقدر ما دفعتاهم إلى تنافس غرائزي لا تستثنى منه حتى الوسائل غير القانونية واللاّأخلاقية.

وتستمدّ الانتخابات العراقية المنتظرة بعد ثلاثة أسابيع، أهميتها من كونها الأولى بعد الحرب على تنظيم داعش التي استمرّت لنحو ثلاث سنوات ومثّلت محطّة دامية وشديدة الصعوبة والتعقيد، ما جعل عراقيين يأملون في أن تكون تلك الحرب فاصلا بين ما قبلها وما بعدها، بحيث يتمّ تجاوز الأوضاع التي مهّدت إليها.

وتحاول كتل كبيرة اللعب على تلك الآمال بتقديم وعود بتجاوز الطائفية ومقاومة الفساد وضمان الأمن، لكّنها وعود عامّة غير مفصلّة في برامج واضحة.

والتنافس في الانتخابات العراقية هو تنافس بين شخصيات كبيرة وفاعلة في العملية السياسية، حول حكم البلد في مرحلة ما بعد داعش، وبالتالي تحديد وجهته السياسية وخياراته الكبرى الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وأيضا علاقاته الخارجية مع دول الإقليم والعالم.

إلاّ أنّ التنافس، هو أيضا بين شخصيات أقلّ تأثيرا تسعى لتحصيل مكاسب بعضها مادّي مباشر وبعضها الآخر يتعلّق بالمكانة والوجاهة الاجتماعية.

ويتنافس في الانتخابات أكثر من 7370 مرشحا يمثلون 320 حزبا وائتلافا وقائمة للحصول على مقاعد من ضمن مقاعد البرلمان الـ329.

وينتقد سياسيون عراقيون هبوط مستوى الحملة الانتخابية، وخصوصا تطرّقها للجوانب الشخصية والأخلاقية.

وأرجع ماجد شنكالي، عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، الجمعة، جانبا من “التسيّب” الذي طبع الحملة إلى ضعف الدور الرقابي لهيئة الإعلام ووزارة الاتصالات في متابعة الجيوش الإلكترونية التي انتشرت خلال الحملات الانتخابية وبدأت باستهداف الأعراض، قائلا “لا خير في جهة سياسية تنافس على مقعد بالبرلمان المقبل على حساب سمعة العراقيات”.

واعتبر شنكالي أنّ “توقيع الكتل السياسية مسبقا لميثاق شرف انتخابي معناه أن هناك مخاوف من تكرار سيناريوهات سابقة من التسقيط السياسي والاستهداف الشخصي خلال الحملات الانتخابية”، قائلا لموقع السومرية الإخباري إنّ “الجيوش الإلكترونية غزت مواقع التواصل الاجتماعي بصفحات وهمية هدفها استهداف شخصيات وكتل سياسية وتمجيد شخصيات وكتل أخرى، دون أن نعلم من أين تمويلها الضخم وإدارتها بهذه الكيفية المتقنة”.

وقال جاسم محمد جعفر البياتي، الأمين العام للاتحاد الإسلامي لتركمان العراق، إنّ بعض الأطراف السياسية أنفقت ملايين الدولارات لتأسيس جيوش إلكترونية أخذت على عاتقها تسقيط الخصوم خلال الحملات الانتخابية وأضاف “ما حصل هو تركيز بعض الأطراف المفلسة والتي لم تقدم شيئا لجماهيرها على تسقيط الخصوم سواء من خلال تمزيق الملصقات الانتخابية أو التشهير عبر جيوش إلكترونية”.

ومع إطلاق الحملة الانتخابية قبل نحو أسبوع بدأت حملات موازية لتمزيق صور المرشحين شملت أغلب الكيانات السياسية ما دعا مفوضية الانتخابات إلى طلب المساعدة من وزارة الداخلية لوقف الظاهرة.

وتُنفّذ حملات تمزيق وإسقاط وتشويه اللافتات ليلا من قبل مجاميع من الشباب يشبهها البعض بـ”الجيش المأجور” في إشارة إلى أنّها مجاميع مدفوعة ومستأجرة من قبل جهات معينة. غير أنّ الثابت وجود مواطنين عاديين يشتركون بإتلاف بعض الملصقات لامتعاضهم من السياسيين.

ويمثّل مستوى الحملة الانتخابية، لدى شرائح واسعة من العراقيين، مدعاة يأس من حدوث التغيير المأمول لإخراج العراق من الأوضاع بالغة السوء التي يعيشها منذ 15 سنة.

ويقول البعض إنّ مستوى الحملة من مستوى العملية السياسية ككلّ، معتبرين أنّ تغيير العملية من داخلها وبنفس شخوصها وأدواتها ضرب من المستحيل.