يعطي قانونُ الانتخاب الجديد فرصةً للمسيحيين في المناطق المختلطة، للتعبيرِ عن إرادتهم وانتخابِ جزءٍ من ممثليهم في الندوة البرلمانية، بعدما حرمتهم القوانينُ السابقة من حقّهم في الاختيار
 

يُعتبر قضاءُ عاليه من الأقضية التي كان يشكو المسيحيون فيها من سلب إرادتهم، فالتقسيماتُ الانتخابية السابقة لم تنصفهم، كما أنّ قانونَ القضاء لم يُغيّر شيئاً من الواقع الديموغرافي المتراجع أصلاً، حتى بعد المصالحة التاريخية التي قام بها البطريرك مار نصرالله بطرس صفير في الجبل عام 2001.

يمثّل قضاء عاليه تاريخياً، الحصنَ المنيع للزعامة الإرسلانية، فالمير مجيد إرسلان كان الزعيمَ الأوّل في هذا القصاء حتى قيل يوماً إنه «بنزّل عصا بتطلع نائب».

واعتاد هذا القضاء على المعارك الساخنة قبل الحرب الأهلية، لكن بعد الحرب تبدّلت الموازين، فالسيطرةُ الأرسلانية انقلبت الى سيطرةٍ جنبلاطية، وبات زعيمُ آل أرسلان ينتظر النائب وليد جنبلاط ليتركَ له كرسيّاً نيابيّاً فارغاً وإلّا يرسب مثلما حصل مع رئيس الحزب «الديموقراطي اللبناني» الوزير طلال أرسلان في انتخابات عام 2005.

شكّلت عاليه مع الشوف دائرةً انتخابيةً واحدةً وفق القانون النسبي، وذلك حفاظاً على الخصوصيّة الدُرزية، وإذا كان الشوف يتمثّل بثمانية مقاعد، فإنّ حصّة عاليه هي 5 مقاعد هم: 2 دروز، 2 موارنة، ومقعد للروم الأرثوذكس.

ويتنافس في دائرة الشوف- عاليه 4 لوائح، وضمّت لائحة «المصالحة» في عاليه التي تتألّف من تحالف «القوات اللبنانية»- «الإشتراكي»- «المستقبل» كلّاً من المرشحين أنيس نصّار، النائبين أكرم شهيب وهنري حلو، وراجي السعد، وتُرك المقعدُ الدرزي الثاني شاغراً.

أما لائحة «ضمانة الجبل» التي تشكّلت بعد تحالف «التيار الوطني الحرّ» وأرسلان، فتضمّ في عاليه إضافة الى أرسلان الوزير سيزار أبي خليل، الياس حنا، عماد الحاج، وتُرك مقعدٌ دُرزيّ شاغراً.

بدوره، شكّل حزبا «الوطنيين الأحرار» و»الكتائب» لائحة «القرار الحرّ» التي ضمّت في عاليه المرشحين سامي الرماح، انطوان بو ملهم، تيودورا بجان.
أما لائحة «الوحدة الوطنية» فتألّفت في عاليه من المرشحين خالد خداج، شفيق رضوان، وليد خيرالله، سهيل بجاني، وهذه لائحة رئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهاب وحلفائه.

كذلك هناك لائحتان للمجتمع المدني، وهما لائحة «مدنية» وتضمّ كلّاً من مارك ضو وفادي الخوري.

ولائحة «كلنا وطني» التي ضمّت المرشّحين عماد القاضي، علاء الصايغ، زويا جريديني، كارل بو ملهم.

ويبلغ عددُ الناخبين في عاليه نحو 128 ألف ناخب يتوزّعون كالآتي: 1500 ناخب سنّي، 4500 ناخب شيعي، 70 ألف ناخب درزي، في مقابل 52 ألف ناخب مسيحي. وبالتالي فإنّ نسبة الناخبين المسيحيين تبلغ نحو 40 في المئة، وهذا رقم مرتفع.

وتُراهن القوى المسيحية على رفع نسبة التصويت، خصوصاً أنّ مرحلة ما قبل 2005 شهدت شبهَ مقاطعة، فيما أعطى الانقسامُ المسيحي بين «القوات» و«التيار الوطني الحرّ» والحلفاء، وتركيزُ الصوت الدرزي على لائحة جنبلاط، الأخيرَ، أفضليّةً ترجيحيّة.

ويشبه الوضعُ في عاليه اليوم ما كان عليه في انتخابات 2009، فـ»القوات» و»الاشتراكي» في تحالفٍ مقابل «التيار الوطني الحرّ» وأرسلان، وبما أنه بات لكل صوتٍ قيمتُه في ظلّ النسبية، يتوقّع الجميع ارتفاعاً في نسبة التصويت المسيحي وحتى الدرزي.

ويحاول «التيار الوطني الحرّ» و«القوات» الفوزَ كلّ منهما بمقعدٍ في عاليه، بحيث يكون الدخولُ النيابي الأوّل لهما الى هذا القضاء، بعدما كان جنبلاط يختار النوابَ المسيحيين.

في المقابل، تحاول العائلاتُ السياسية في عاليه الصمودَ في وجه الأحزاب، وخصوصاً آل سعد الذين يُعتبرون من أقدم الزعامات المارونية التي أوصلت رئيساً للجمهورية أيامَ الانتداب الفرنسي هو حبيب باشا السعد.

ويعمل النائب وليد جنبلاط على تأمين فوز النائب هنري الحلو لأسبابٍ عدّة أبرزها أنه تخلّى عن مقعدٍ درزي لأرسلان، ويحاول التعويضَ بمقعدٍ ماروني لأنّ حجمَه الانتخابي في عاليه يسمح له بالفوز بمقعدَين.

كذلك، فإنّ جنبلاط يرغب بالحفاظ على التنوّع داخل «اللقاء الديموقراطي» لكي لا يصبحَ من لونٍ طائفيٍّ واحد. كما أنّ حلو هو حليفٌ قديم، ويريد أن يُبقي ورقةً مارونيةً بيده ربما احتاجها في انتخابات عام 2022 الرئاسية، ولكلّ هذه الأسباب سيمدّ «الاشتراكي» حلو بعددٍ كبيرٍ من الأصوات التفضيلية الدرزية.

لا يمكن فصلُ نسبة التصويت وتوزيع الأصوات التفضيلية في عاليه عن الشوف، خصوصاً أنّ الماكيناتِ الحزبيّة تعمل من أجل حصد العدد الأكبر من الأصوات، فيما يبقى التصويتُ المسيحيّ الكثيف واجباً، وذلك لإثبات الوجود، واختيار مَن يشاؤون، والخروج من مرحلة الإحباط السابقة.