دوافع أمنية وأخرى انتخابية وراء ضربات الطيران العراقي في سوريا، ومنطقة الحدود مدار أساسي لصراع النفوذ الإقليمي والدولي
 

وجّه طيران الجيش العراقي، الخميس، ضربات جوية لمواقع تابعة لتنظيم داعش داخل سوريا، وذلك بعد أسبوع من قول رئيس الوزراء حيدر العبادي إن بلاده ستدافع عن نفسها في مواجهة تهديدات المتشددين عبر الحدود.

وتمثّل المناطق الحدودية بين سوريا والعراق مصدر قلق أمني للأخير، نظرا لصعوبة ضبطها بشكل كامل، ولكّنها كذلك مدار تجاذبات سياسية داخلية، وأخرى خارجية على صلة بصراع النفوذ الإقليمي والدولي في البلدين معا.

ويخشى العراقيون أن تكون تلك المناطق بوابة تسرّب فلول داعش من جديد إلى البلاد ما سيشكّل انتكاسة تطيح بالإنجاز الذي تحقّق من خلال النصر العسكري عليه بعد حرب مرهقة عالية التكاليف ماديا وبشريا.

الناخبون العراقيون يوجهون إنذارا مبكرا لنوري المالكي
بغداد - تعكس ظاهرة تحطيم اللافتات الدعائية للمرشحين للانتخابات العراقية، وتشويه صورهم بالدهانات وغيرها، وتحريف شعاراتهم الانتخابية بإضافة أو حذف أحرف منها، حالة من الغضب الشعبي تجاه الطبقة السياسية والاستهانة بها وانعدام الثقة فيها، فيما يمثّل الاستهداف الاستثنائي لقوائم بعينها، وأحيانا لمرشّحين معيّنين ضمن تلك القوائم “استطلاع رأي” تلقائي، يعكس مكانة المستهدفين لدى الناخبين وبالتالي حظوظهم في النجاح. وأثار الاستهداف المتكرّر للافتات “دولة القانون” وصور زعيمها نوري المالكي أعصاب الأخير، بما مثّله ذلك الاستهداف من إنذار “انتخابي” مبكّر له. ورغم محاولة المالكي وأنصاره تسويق صورته كزعيم عراقي كبير، إلاّ أنّ الحصيلة الكارثية لفترتي حكمه من سنة 2006 إلى سنة 2014 اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، سببت نفور العراقيين من مختلف المكوّنات منه بما في ذلك أبناء طائفته الشيعية. وخلال الحملة الانتخابية التي انطلقت قبل أيام، تجدّد التعبير عن ذلك النفور من المالكي من خلال استهداف لافتات حملته الانتخابية. ووصف المالكي، الخميس، ممزقي اللافتات بالأيادي التخريبية المدسوسة، ناسبا إياهم إلى “بقايا حزب البعث البائد والطابور الخامس”. وحمّل في بيان الجهات الأمنية المختصة مسؤولية التصدّي “للمدسوسين المخربين”.

وتبدو مخاوف العبادي الذي يتولى أيضا منصب قائد أعلى للقوات المسلّحة مضاعفة، إذ يخشى انتكاس إنجازه الرئيسي، وربّما الوحيد، الذي يقيم عليه حملته الانتخابية، قبيل انتخابات شهر مايو القادم التي يطمح من خوضها إلى تجديد ولايته على رأس الحكومة، وهو القيادة الموفّقة للحرب ضدّ التنظيم.

واختار العبادي لائتلافه الانتخابي اسما معبّرا عن ذلك وهو “النصر”.

وعلى مدار الفترة القريبة الماضية كانت التهديدات القادمة من المناطق الغربية للعراق وعبر الحدود مع سوريا، موضع مزايدة من قبل خصوم العبادي السياسيين وكبار منافسيه في الانتخابات.

ويقول قادة أحزاب وميليشيات شيعية إنّ النصر العسكري غير مكتمل بعدم اكتمال ضبط الحدود بالكامل مع سوريا.

ومن هؤلاء القادة من هم موالون لإيران، شديدة الاهتمام بالمناطق الغربية للعراق، وتحديدا مناطق التماسّ مع الأراضي السورية، التي تمثّل جزءا من “الطريق” الذي عملت على مدّه بين طهران ودمشق فبيروت وسواحل المتوسّط عبر الأراضي العراقية، فيما الولايات المتّحدة تسابق الزمن لقطع ذلك الطريق عبر تركيز وجود عسكري لها محدود ومركّز في المناطق المذكورة ومدعوم بقوات موالية لها غالبيتها من أكراد سوريا.

ومنذ انطلاقة الحرب ضدّ داعش في العراق سعت إيران إلى تأمين حضورها في البلد مباشرة عبر مستشاريها العسكريين، ووكالة عن طريق عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة المنتمين لميليشيات مسلّحة تمّ جمعها في ما يشبه الجيش الرّديف تحت مسمّى “الحشد الشعبي”.

ولا تزال إيران تعمل على الحفاظ على دورها السياسي والأمني في العراق. وعقد مسؤولون عسكريون وأمنيون إيرانيون وعراقيون وسوريون وروس، الخميس، اجتماعا في بغداد “لتنسيق جهود مكافحة الإرهاب”، حسبما أوردت وزارة الدفاع الإيرانية.

وقال وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي إن “الرؤية المشتركة التي تحملها هذه البلدان إزاء التهديدات، فضلا عن مصالحها المشتركة التي ترتب عليها تعاون استخباراتي بينها، شكّلت تجارب ناجحة في إعادة الاستقرار والأمن إلى المنطقة؛ بما يستدعي اتخاذه قاعدة لعمليات تعاون أخرى قادمة”.

ولا يخلو الاجتماع من رسائل للولايات المتحدة، خصوصا من قبل موسكو وطهران الواقفتين في نفس الخندق المضاد لها في سوريا تحديدا.

وقال متحدث باسم الجيش العراقي في بيان إن القوات الجوية العراقية استخدمت مقاتلات إف 16 للعبور إلى سوريا وتنفيذ الضربات بعد التنسيق مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.

وسكت البيان عن ذكر التنسيق مع الولايات المتّحدة القائدة للتحالف الدولي ضدّ داعش، ولها اليد الطولى في أجواء تلك المناطق، لكنّ خبراء عسكريين استبعدوا أن تبادر حكومة بغداد بتنفيذ غارات داخل سوريا دون تنسيق مسبق مع واشنطن.

كما ورد بالبيان ذاته “أن تنفيذ ضربات ضد عصابات داعش في الأراضي السورية هو لوجود خطر من هذه العصابات على الأراضي العراقية، ويدل على زيادة قدرات قواتنا المسلحة على ملاحقة الإرهاب والقضاء عليه”.

وفي وقت سابق قال رئيس الوزراء العراقي “داعش موجود في شرق سوريا على الحدود العراقية، إذا هدّد أمن العراق سأتخذ كل الإجراءات الضرورية لمنعه”.

وكان العبادي قد أعلن النصر على تنظيم داعش في العراق في ديسمبر الماضي لكن التنظيم لا يزال يشكل تهديدا من خلال جيوب على الحدود مع سوريا كما ينصب كمائن وينفذ عمليات اغتيال وتفجيرات في أنحاء متفرّقة من البلاد.