ما إن انتهت مرحلة إبرام التحالفات وتشكيل اللوائح، حتى دخلت الماكينات الانتخابية للقوى والأحزاب اللبنانية، مرحلة إحصاء الناخبين الحزبيين، والموالين لها في كافة المناطق، واستثمار عامل الاستفادة من صوت كلّ ناخب. ولا يقتصر الاهتمام على المقترعين في الداخل؛ بل انصرف إلى استقطاب المغتربين من قبل الأحزاب الكبرى والمتمولين القادرين على إغرائهم بالحضور إلى لبنان على نفقتهم، قبل السادس من مايو (أيار) المقبل، والتصويت للوائحهم، وإن كانت بعض الأحزاب تحاذر المجاهرة بهذا الأمر، والبعض الآخر يعترف بحصولها على مستوى محدود.
هذا الواقع لا يسري على كلّ اللوائح، بالنظر لعدم توفر الإمكانات المادية لدى بعضها؛ لكنّ ما يعرف بـ«أحزاب السلطة» الممثلة في الحكومة، لديها ما يكفي من النفوذ السياسي والمالي لإقناع المغتربين بالمجيء إلى لبنان لقضاء إجازة على نفقتها، مقابل الاقتراع للوائحها، وسرعان ما تتجه الأنظار إلى تيّار «المستقبل» الذي بدا متحفّظاً في الحديث عن هذا الأمر، وأوضح مسؤول في ماكينته الانتخابية لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا الموضوع «كان قائماً منذ شهر تقريباً، واستجاب التيار لرغبة عدد من المقيمين في الخارج؛ خصوصاً في دول الخليج الذين أبدوا استعدادهم للحضور مقابل تأمين تذاكر السفر لهم»، مؤكداً أن هذا الأمر «توقف البحث به منذ ثلاثة أسابيع؛ لكن ذلك لا يحول دون الاستفادة ممن سيحضرون إلى لبنان لقضاء إجازاتهم ونيل أصواتهم».
وشدد على أن «جهود الماكينات الانتخابية العائدة لـ(المستقبل) منصرفة حالياً لمهمة التواصل مع الناخبين في لبنان، لأعدادهم الكبيرة، وواعدة بتحقيق النتائج المتوخاة».
وتتقاطع مصلحة الناخبين المغتربين مع مصلحة الأحزاب الطامحة في الحصول على أصواتهم. وكشفت مصادر اغترابية لـ«الشرق الأوسط»، أن «امتناع آلاف المغتربين عن تسجيل أسمائهم للاقتراع في دول انتشارهم، مردّه إلى أن هؤلاء يعولون على مجيئهم إلى لبنان على حساب أحزابهم لقضاء إجازة، من دون تكبّد مصاريف السفر المرتفعة»، ولفتت المصادر إلى أن «آلاف المغتربين تلقوا اتصالات مباشرة من بعض الأحزاب وسلمتهم تذاكر مع حجز مسبق قبل موعد الانتخابات؛ لكنّ هذا العرض يشمل الشخص الوارد اسمه على لوائح الشطب وزوجته، من دون الأولاد الذين لا يستفاد منهم»، مؤكدة أن «معظم الحجوزات خصوصاً من دول الخليج باتت مقفلة، بفعل كثافة الوافدين إلى لبنان».
من جهته، أعلن قيادي بارز في تيار «المستقبل»، أن «واقعة المجيء بناخبين من الخارج ليست معدومة؛ لكنها تحصل بـ(القطّارة)، (أي بأعداد محدودة)، بسبب عدم توفر الإمكانات المالية، لاستقطاب أعداد كبيرة كما كان يحصل في السابق»، لافتاً إلى أن «العدد وإن كان متواضعاً يمكن الاستفادة منه»، مشيراً إلى أن «ناخباً واحداً ربما يحقق فارقاً على صعيد الصوت التفضيلي في بعض الدوائر».
وما يسري على «المستقبل» ينسحب أيضاً إلى الحزب التقدمي الاشتراكي، الحريص على الاستفادة من جمهوره في لبنان وبلاد الاغتراب. وأفاد مفوض الإعلام في الحزب رامي الريس، بأن «التواصل قائم مع المغتربين، سواء من سجلوا أسماءهم للاقتراع في الخارج، أم الذين لم يرغبوا في الحضور إلى لبنان». وكشف لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك «رغبة كبيرة لدى أكثرية المحازبين في الاغتراب بالمشاركة في الاستحقاق، ونحن ندرس كل الخيارات، وكم عدد الراغبين في الحضور للانتخاب، ولا تزال مسألة تكاليف سفرهم قيد البحث». وقال الريس: «نحن حريصون على مجيء أكبر عدد من أبنائنا في الاغتراب لممارسة حقهم الديمقراطي، وكما شجعنا الجميع على التسجيل والاقتراع في الخارج، نشجّع الآن على مجيء من لم يحالفه الحظ بالتسجيل»، مشيراً إلى أن «تكاليف السفر والأرقام لا تزال قيد الدرس».
أما حزب «القوات اللبنانية» فله مقاربة خاصة، وإن لم ينف بالمطلق إمكانية مساعدة البعض للمجيء على نفقته، وقال رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات اللبنانية» شارل جبور لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجهد الأساسي للحزب تركز على إقناع المغتربين بالتسجيل والاقتراع في مكان إقاماتهم في الخارج، وهذا ما ركّز عليه (رئيس الحزب) الدكتور سمير جعجع في جولته الخارجية الصيف الماضي، وخصوصاً في أستراليا»، مشيراً إلى أن «القوات»، «يعوّل على قطاع الاغتراب الذي لا يتأثر بالضغوط السياسية الداخلية ولا بالزبائنية والتبعية».
ولم تخف «القوات اللبنانية» رغبتها من الاستفادة من كلّ ناخب مغترب، ولكن على طريقتها، ويقول جبور: «ليست لدينا خطة لدفع أموال وحجز طائرات لآلاف الراغبين بالحضور؛ لكن ثمة قواتيين سيأتون إلى لبنان، وهم جدولوا زيارتهم السنوية على موعد الانتخابات»، معترفاً بـ«إمكانية مجيء أعداد قليلة على نفقة الحزب، ولكن ليس ضمن خطّة مسبقة ودفع تكاليف طائلة»، مشدداً على أن «كل أجهزتنا الحزبية في الاغتراب تتواصل مع اللبنانيين هناك، وتشجعهم على ممارسة حقهم الانتخابي بمسؤولية وطنية».