على عكس بحرها الهادئ الذي يفتقر إلى «فقش الموج»، تعيش منطقة الدامور حالة استثنائية من مدّ وجزر مع اقتراب العد العكسي للانتخابات النيابية. إذ تكتسب المعركة جزءاً من حماوتها في الدائرة الرابعة لجبل لبنان، والتي تضم قضاءي الشوف وعاليه، من ضراوة المعركة في بوابة الشوف حيث لا توفّر الماكينات الانتخابية وسيلة لحَثّ «الدَوامره» على المشاركة الكثيفة في الاقتراع، من شدّ العصب «الداموري»، مروراً بالتجييش الحزبي، وتبنّي الإنجازات… ما يزيد المعركة احتداماً غياب التمثيل الداموري عن إحدى اللوائح الاساسية في الجبل.
تضمّ الدامور، أو داموراس في الفينيقية التي تعني ديمومة، نحو 9500 ناخب غالبيتهم الساحقة من المسيحيين. وفي ذروة التجييش الانتخابي كالتي شهدها الاستحقاق البلدي بلغ عدد المقترعين نحو 5000، لذا تكثر الرهانات على الّا تتدنّى نسبة الإقتراع في 6 أيار عن الـ4300 صوت.

في التفاصيل

يشارك في السباق النيابي 3 من أبناء الدامور، يتوزعون على 3 لوائح متنافسة من أصل 6 في دائرة الشوف – عاليه، وهم: زياد الشويري على لائحة «الوحدة الوطنية» التي يترأسها رئيس التوحيد العربي وئام وهاب، ماريو عون على لائحة «ضمانة الجبل» التي تضم رئيس حزب الديموقراطي اللبناني الوزير طلال إرسلان و«التيار الوطني الحر» و«القومي السوري»، مروان المتني ضمن «مدنية» وهي لائحة المجتع المدني.

يصعب فهم احتدام المعركة النيابية في الدامور وجَسّ نبض أهلها بمعزل عن الانتخابات البلدية والاختيارية الاخيرة، وما تمخّض عنها من نتائج، واصطفافات، وغيرها من ترسّبات لا تزال حاضرة في يوميات «الدَوامره»، والتي على أساسها سيحتكمون لتحديد أصواتهم التفضيلية.

فمنذ نحو عامين خسرت لائحة «الدامور هويتي» التي قادها رجل الاعمال الياس العمّار ودعمها الوزير السابق ماريو عون، فيما فازت لائحة «وحدة الدامور» التي يترأسها رئيس البلدية الحالي شارل غفري مدعومة من القوات اللبنانية والنائب جورج عدوان وعضو اللقاء الديمقراطي النائب إيلي عون وبعض الناشطين في التيار الوطني الحر، علماً انّ التيار ترك لمناصريه حرية الاختيار آنذاك. لذا، في مجالس فئة كبيرة من «الدوامرة»، الأمر محسوم على قاعدة من لم يمنحها دعمه في الانتخابات البلدية ستحرمه صوتها في النيابية.

معركة ضمن «التيار»

إذا توغّلنا في العمق الداموري، لا شك في أنّ الاهالي في قرارة أنفسهم، وبصرف النظر عن اصطفافاتهم الحزبية، يطمحون إلى أكبر تمثيل نيابي لبلدتهم في البرلمان. ولكن في الوقت عينه، يدركون انّ وجود مرشحين عنهم لا يعني بالضرورة ضمان وصولهم إلى النيابة، لا سيما انها المرة الاولى التي يُتبع فيها القانون النسبي الذي يفرض اختيار المرشحين بحسب التحالفات.

من هنا تتفاوت الحيرة في صفوف الناخبين الدَوامرة ومعها حماوة المعركة، فتَخفت لدى القوات اللبنانية، لأنّ المحازبين والمناصرين يجدون معركتهم محسومة لصالح لائحة «المصالحة» ونائب رئيس القوات اللبنانية جورج عدوان، وتدعمهم شريحة من الناخبين الذين سبقوا وأيّدوا لائحة «وحدة الدامور» في المعركة البلدية.

في المقابل، تتركّز المعركة وتشتد في صفوف التيار الوطني الحر، وضمن اللائحة الواحدة تحديداً «ضمانة الجبل»، وعلى المقاعد المارونية، إذ لن تصبّ الأصوات البرتقالية ضمن «بلوك واحد»، بل سَتتشتّت، ما بين دعم مرشحَي التيار ماريو عون وفريد البستاني الذي تنتشر له مكاتب في الدامور رغم انه من دير القمر، ما دفعَ «بالدوامرة» الى التهامس «عملية تقشيط الأصوات ماشية بيناتن».

ورقة «مش مضمونة»

في المقابل، يشكّل غياب الحضور الداموري نتيجة المعادلة السياسية التي رافقت تشكيل لائحة «المصالحة»، إحدى اللوائح الاساسية في الشوف – عاليه، والتي تضمّ تحالف الحزب التقدمي الإشتراكي والقوات اللبنانية وتيار المستقبل، بمثابة «خرطوشة» حاولَ معظم مرشحي الدامور الاستفادة منها لاستمالة الاهالي وشدّ عصبهم الداموري، بعدما رَسى الاختيار في تلك اللائحة للموارنة «الشوفيين» على 2 من دير القمر: النائب جورج عدوان وناجي البستاني، أمّا الثالث فهو غطاس خوري. ولكن هذا لا يعني ضمان وصول أحد من مرشحي الدامور، لا سيما انّ للناخب «الداموري» خصوصية معينة إذ يصعب استمالته بسهولة أو إمطاره بالوعود في اللحظات الاخيرة.

حظوظهم تترنح

من هنا يشكّل السؤال «فلان بيشوفا للنيابة؟» الأكثر تداولاً على ألسنة أهل الدامور. وهنا أيضاً تتفاوت الحظوظ، ولا يدّعي الدَوامرة التفاؤل وبناء المقعد النيابي على أوهام، فيتشاورون في مجالسهم. بالنسبة إلى المرشح زياد الشويري، على لائحة الوحدة الوطنية التي يترأسها وئام وهاب، سَلّموا جدلاً أنها قد لا تحقق الحاصل الانتخابي، خصوصاً انّ أصوات «حزب الله» وسرايا المقاومة ستخدم المرشّح علي صلاح الدين الحاج (المرشّح السني في لائحة ضمانة الجبل)، وأصوات «القومي السوري» ستخدم المرشح سمير عون.

فيسألون: «بالأمس كان مع الحزب الديمقراطي اللبناني ورئيسه طلال إرسلان، وإذ به اليوم على لائحة الوحدة الوطنية التي يترأسها وئام وهاب المعروف بأنّ خطّه السياسي هو أبعد ما يكون عن خط المنطقة ويتجاوز 8 آذار. فكيف سندعمه؟». وهنا الرهان على مدى قدرة الشويري الاقناعية وعلاقاته الخدماتية.

أمّا بالنسبة إلى المرشح ماريو عون، فإنّ الدوامرة يدركون تماماً انّ عملية «تقشيط» الاصوات بينه وبين المرشح البستاني ليست المعركة اليتيمة، ويَصفون انطلاقته في المعركة النيابية «بالمُجتزأة»، كونه لم يَحظ بتشجيع مجموعة كبيرة من الاهالي التي تؤيّد المجلس البلدي الحالي. حتى أنّ أحقيّته بالخرق لن تكون سهلة أمامه، فالمرشح غسان عطالله عن مقعد الروم الكاثوليك بحُكم مسؤوليته التنظيمية السابقة في التيار الوطني الحر في الشوف، يُدرك تماماً مفاتيح القوة والضعف للتيار وقد يحصّل أرقاماً أعلى.

وأبعد من ذلك، في ما لو حَظي علي الحاج بأصوات الجماعة الإسلامية (نحو 2500 صوت)، بالإضافة إلى أصوات «حزب الله» وسرايا المقاومة (نحو 2500 صوت)، ما يعني انّ انطلاقته ستكون من 5000 صوت، في وقت يصعب على ماريو عون تأمين 2500 صوت من أبناء منطقته.

في موازاة ذلك، لا تبدو معركة المجتمع المدني أخف ضراوة في الدامور. فمروان المتني أحد «الدوامره» المرشحين على لائحة «مدنية»، يعوّل ومَن معه على اجتذاب الناخبين الجدد والباحثين عن وجوه جديدة تمثّلهم بعيداً من العناوين السياسية والشعارات الحزبية، بالإضافة إلى التحدي الكبير في استمالة الاصوات المعارضة في الجبل والباحثة عن بديل للزعامات.

أيّاً تكن النتائج بعد 6 أيار، لا يكفي تعزيز عودة «الدوامره» فقط، إنما تثبيت إقامتهم في أرضهم على مدار السنة، بالتزامن مع توفير فرَص العمل لهم وغيرها من المستلزمات التي يفرضها البقاء والتحديات التي يواجهونها.