للمرة الأولى يخرج الأمير طلال ارسلان عن هدوئه وسياسة «ضبط النفس» وينتهج سياسة تجاوزت تسجيل موقف واعتراض الى اعادة التموضع والاستعداد لقلب الطاولة، للمرة الأولى يتخلى عن سياسة مساكنة مع وليد جنبلاط في الجبل امتدت لسنوات، وحيث كان جنبلاط يحفظ له المقعد الدرزي الثاني في عاليه ويحصل بالمقابل على سكوته إزاء سياسته المناهضة للرئيس بشار الأسد، للمرة الأولى يدير إرسلان ظهره للرئيس نبيه بري منحازا الى الوزير جبران باسيل في عز معركته مع بري، ومندفعا في معركة المقعد الدرزي في حاصبيا المحسوب «تاريخيا» على الرئيس بري (النائب أنور الخليل)، وللمرة الأولى لا يتجاوب إسلان مع طلبات حزب الله ونصائحه وكان أبرزها خوض انتخابات الشوف عاليه في لائحة واحدة مع وئام وهاب والتيار الوطني الحر في مواجهة تحالف الاشتراكي القوات المستقبل، أسباب كثيرة دفعت إرسلان الى «الخروج عن طوره» وإعادة حساباته، وصولا الى الانضمام الى محور الحريري باسيل، وأهمها:

٭ القانون الانتخابي الجديد الذي «حرره» من الحاجة الى جنبلاط ورفع سقف طموحه من الاحتفاظ بمقعده الى تحصيل مقاعد أخرى والحصول على كتلة نيابية.

٭ شعور إرسلان بأنه يواجه سياسة «تهميش وتجاهل» من جانب حلفائه، وتحديدا من «الثنائي الشيعي» الذي لايقيم له وزنا ولا يتعامل معه بجدية، ويستمر في «تدليل» جنبلاط رغم كل «نتعاته وتقلباته»، وهذا ما لمسه إرسلان في بيروت بإعطاء المقعد الدرزي لجنبلاط الذي لم يكن ليحصل عليه وعلى لائحة المستقبل لولا دعم وتشجيع الرئيس بري، وفي حاصبيا بحجب المقعد الدرزي عنه مع أنه يمتلك في هذه الدائرة قاعدة شعبية راسخة تعطيه الحق في هذا المقعد في ظل القانون النسبي.

٭ إعطاء إرسلان الأولوية للتحالف مع «العهد» المتمثل في الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل، وهذا التوجه كلفه خسارة حليفيه بري وفرنجية منذ أن أعلن تأييده لانتخاب عون رئيسا للجمهورية، وبعد أن وثق تحالفه مع باسيل انتخابيا وسياسيا، وذهب الى أكثر من ذلك عندما قرر الانضواء في تحالف الحريري باسيل الذي يعتبره إرسلان مصدر قوة ودعم له يغنيه عن الآخرين، وتحديدا في الدولة ومؤسساتها وما يقدمه له هذا المحور الجديد من خدمات وتسهيلات ويحفظ حصته في التعيينات والمشاريع.

كان وليد جنبلاط يراقب حركة إرسلان باتجاه باسيل من دون أن يعيرها أهمية، رغم ما شكلته من «إزعاج وتحد « لزعامته الأحادية في الجبل، ولكن عندما وسع إرسلان «بيكاره» وأبرم عقدا تحالفيا مع الحريري وبدا أنه الركيزة الدرزية في حلف سني (الحريري) ماروني (باسيل)، حتى بدأ جنبلاط يأخذ إرسلان على محمل الجد ويصب جام غضبه على الرئيس الحريري لتدخله في الشأن الدرزي، ولأنه يلعب خارج ملعبه.

العلاقة بين جنبلاط والحريري لم تستقر على حال منذ سنتين، التباعد بدأ في معركة رئاسة الجمهورية عندما اضطر جنبلاط لتأييد انتخاب عون على مضض بعدما أطاح الحريري بخيار فرنجية الذي كان يعمل له جنبلاط وبري، وبعد ذلك، زادت شقة الخلاف عندما لم يقف الحريري مساندا لجنبلاط ومدافعا عن حقوقه في معركة قانون الانتخابات، ثم عندما شكل مع الوزير باسيل ثنائيا منسجما في الحكم ومتحكما في التعيينات والمشاريع، وعندما حان أوان الانتخابات وجد جنبلاط نفسه مضطرا للتعاون مع الحريري للحد من خسارته، ولكن احتفاظه بمقعد بيروت الدرزي كلفه غاليا: الموافقة على مقعدين سني وماروني للمستقبل في الشوف، والتخلي عن المقعد الأرثوذكسي في البقاع الغربي لمصلحة المستقبل.

ثمة تعارض وتناقض بين تحالف انتخابي بين الحريري وجنبلاط فرضه القانون الجديد، وتحالف سياسي بين الحريري وباسيل وإرسلان يشغل بال جنبلاط لأنه تحالف لمرحلة ما بعد الانتخابات ويساهم في تغذية وتأجيج وضع جديد على الساحة الدرزية ظل مقفلا لجنبلاط حتى الساعة وأصبح الآن مفتوحا على التدخلات والمتغيرات، جنبلاط مثل الحريري مازال يحفظ خط الرجعة وخيط معاوية والانقطاع لم يحدث بينهما، والانتخابات تجمعهما في أكثر من دائرة مشتركة، ولكن جنبلاط يتحسب للأسوأ، لمحاولات تحجيمه ومحاصرته ويستعد للرد عبر تحالفات مضادة تجمعه الى بري وميقاتي وجعجع وفرنجية، وحيث تدعو الحاجة.