هل مِن جدوى لإنتخاب من فشل في الماضي والحاضر ويتحضر للمستقبل تحت عنوان لائحة الأمل والوفاء؟
 

 

يقول جورج أورويل: " الشعب الذي ينتخب الفاسدين لا يُعتبر ضحية.. بل شريكا في الجريمة!"

يتجه سبيل الانتخابات وما تفضي إليه من نتائج من الناحية الجدلية في الأنظمة الديمقراطية، إلى إحداث تحول ميداني داخل المؤسسة التشريعية "البرلمان" هدفها إصلاح أو إعادة النظر بالقوانين والتشريعات غير المتوافقة مع المتغيرات والمستجدات داخل الدولة والمجتمع. أيضا تحديث البنى القيمية والمنظومة السياسية والقانونية والإقتصادية والمجتمعية بشكل عام، بالشكل الذي ينسجم مع المبادىء الأساسية التي يترتب عليها حفظ مصالح الوطن وكرامة الانسان ومستقبله.   

لكن مبدأ التوافقية الطائفية ـ الحزبية في إدارة الدولة - جعل من الإنتخابات اللبنانية وسيلة للوصول إلى قبة البرلمان بهدف الحصول على الإمتيازات ليس إلا. الأمر الذي أدى ويؤدي إلى وصول أطراف لا خبرة لهم في إدارة دولة مدنية، لا في مجال السياسة ولا في أسلوب الحكم وقواعده إلى السلطة، وتحولها إلى قوة ضاربة تتحكم عن طريق المال والنفوذ، بمصير الدولة والمجتمع، بينما المطلوب والملّح أن ينصب الإهتمام على أولويات مبادئ سيادة القانون واحترام مؤسسات الدولة، فأصبح المواطن عاجزاً عن المشاركة في صنع القرار حتى في الشأن الإنتخابي.

إقرأ أيضا : لا خيار لنا إلا الحرية والتغيير

 

وبغض النظر عن طبيعة وشكل القانون الانتخابي، القائم على قطب مخفية، تفصل بين الأحزاب الحاكمة وفئات المجتمع المتنوعة بكل انتماءاته الطائفية. يبقى من الناحية المبدئية حق المواطن في إبداء رأيه وممارسة دوره في انتخاب ممثليه، حق مشروع تكفله الشرائع والأعراف والقوانين الدولية، ولا يقبل المساس أو التجاوز عليه بأي حال من الأحوال، لأنه أساس تطور المجتمع وتقدمه، فضلاً عن كونه مصدر السلطات. لكن السؤال يتكرر: هل هناك حقاً مجال في حال استحواذ أباطرة الأحزاب الطائفية على السلطة والمال في أن ينخرط المواطن في عملية الانتخاب وإختياره من يريد أن يمثله؟ 

في كتابه (جوهر الفلسفة) يشير الفيلسوف الألماني (فيلهلم دلتاي) إلى ضرورة " ردم الهوة بين الذات والموضوع ـ وأن لا يكون (المنهج) من حيث جوهر القضية قابلاً للتأويل والإحتمالات". إلا أن ما يحدث في لبنان بشكل عام وفي بعلبك الهرمل بشكل خاص في كل المقاييس يجري على خلاف هذه القاعدة. فبدل أن يُهدم ما يعيق عملية الانفتاح نحو مواضيع جديدة لإنجاز عملية البناء والتطور بقوة وفاعلية وجعل حركة التطور نحو المستقبل أكثر دينامية، يجري تهميش المجتمع وسلبه إرادته بطرق لا قاعدة لها ولا أصول، فلا مؤسسات الدولة تعمل بشكل رقابي، ولا قانون يردع المتجاوزين في تلك المؤسسات. كما أن القضاء مهمش بسبب تسلط الأحزاب والفئات والطوائف الحاكمة، والخطب التحريضية التي تهدف الى شد العصب ومن جميع الأطراف بدون إستثناء والتي لا تتلاءم مع المصلحة العامة للمجتمع ومبدأ المواطنة والمساواة، وتفتقر الحملات الانتخابية لأبسط  أسس وقوانين عصرية واضحة حديثة ترعى مصالح المواطنين وتلزم الدولة مسؤولية تحقيق الخدمات العامة وتوفير احتياجات المجتمع وأهمها العمل والسكن والتعليم والأمن والضمان الصحي والاجتماعي كما هو حال الدول المتمدنة. على العكس فإن تلك الحملات همها الاساس مراعاة مصالح القوى المهيمنة، ومع ان تجربة هذه القوى منذ عام 1992 لغاية الآن لم تتسم الا بتقويض حياة المواطن والمجتمع، فإنها، كما نعتقد، لن تقود في الاستحقاق القادم إلى التغيير في المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة، بل تقود بدلا من أن تتحول اللوائح الانتخابية إلى مجالات للتنافس على خدمة الناس عبر برامج سياسية واقتصادية مدروسة، تصبح مجرد عملية هيمنة من خلال إعطاء المنافسة بعداً سياسياً بدل إعطائها بعدها الحقيقي الذي يتمثل بشكل أساسي برفع واقع التهميش والحرمان عن كاهل المنطقة وأهلها!     

إقرأ أيضا : يحيى شمص الأول في بعلبك الهرمل بإستفتاء موقع لبنان الجديد

 

كما أن الحملة الإنتخابية الراهنة التي بدأت بتوجيه التهم للمرشحون المنافسون للائحة الثنائية الجنوبية بوصفهم انهم مرشحوا سفارات ويمثلون "داعش والنصرة" ، مما يعني ذلك انتهاكا لكل الأعراف ويتعارض مع مفهوم المنافسة الديمقراطية والشفافية والنزاهة التي يفترض أن يتحدث عنها المرشحون. بيد أن ممارسات التأثير على أصوات الناخبين بأساليب مختلفة من خلال سماسرة الثنائية الجنوبية بالضغط على وجهاء العائلات وشيوخ العشائر من أجل إستمالتهم جارية على قدم وساق من خلال إطلاق الوعود وإقامة الولائم للدلالة على التفاف الجماهير حولهم، وعبر ضخ الاشاعات واتهام اللوائح الاخرى عدى عن التوصيف السياسي بأنهم يقومون بشراء الاصوات وبأسعار خيالية. 

والسؤال: هل تستطيع الأحزاب والتحالفات الصغيرة التي لا تملك المال والنفوذ في ظل هكذا ممارسات أن تحصد بعض المقاعد النيابية؟ ولنفترض أنها كذلك، فهل هذا يؤثر بالفعل كما يروجون بأن هناك مؤامرة كونية تستهدفهم والأهم من ذلك كله هل تستطيع كمعارضة داخل قبة البرلمان في دورته الجديدة أن توجه البوصلة باتجاه التغيير الشامل؟ وهو ما لم يستطع من كان أكثر نفوذاً.

الحقيقة أن نظام تتقاطع فيه المصالح الفئوية والحزبية والطائفية ويمتلك المتنفذون ميليشيات وعصابات تنتهك سيادة القانون والأعراف، لا يمكن إحداث أي تغيير جذري وشامل ما لم يجر الدفع بقوة باتجاه التنمية المجتمعية والبحث عن رؤية وأساليب ومفاهيم جديدة.

إقرأ أيضا : حتى الإمام علي ( ع ) لم يسلم من الإستغلال الإنتخابي !

 

ويبدو أيضا أن الانتخابات ومنذ 1992، لا تعبر بنسبة عالية عن إرادة وطنية صادقة، وإنها ليست لبنانية صرف إقليمية ـ دولية تقف وراءها مؤسسات حزبية وطائفية وإعلامية تعبر عن خطاب ومشروع القوى الطائفية المهيمنة محلياً بالنيابة عن اطراف اقليمية وبالشكل الذي جعل من لبنان محطة صراع من أجل مصالح خارجية، تعرض استقلال لبنان الوطني للخطر. الثابت أن جميع الانتخابات السابقة لم تغيّر في الأمر شيئا كما لم يستطع من هم على الطرف الآخر من الضفة الوصول إلى مبتغاهم في عملية التغيير، بسبب صراع الأجندات والمصالح والغايات وافتقار برنامج سياسي يلبي طموحات المجتمع اللبناني بكامله.     

أعود إلى السؤال: هل مِن جدوى لإنتخاب من فشل في الماضي والحاضر ويتحضر للمستقبل تحت عنوان لائحة الأمل والوفاء؟ بعد سلسلة الإخفاقات منذ عام 1992 ليومنا الحاضر المترافقة مع سلسلة من الوعود والتي لم ينفذ منها شيئاً،و ربما السؤال  الأنجع،  الأمل بماذا والوفاء لمن؟ كما نعتقد أن الأمل هو من وجهة نظرنا بالعمل على رفع واقع التهميش والحرمان عن كاهل المنطقة واهلها والوفاء لهم بالوعود التي تطلق،الأمل في محاولة متواضعة لتحقيق البعض من الازدهار والتطور في المنطقة وفي الدعوة الشاملة لأهلنا في المنطقة بعيداً عن التعصب المذهبي والمصالح الضيقة من أجل قلب المعادلة من أساسها بهدف الإصلاح المجتمعي، السياسي ،والإقتصادي. وقطع الطريق على القوى المهيمنة وغير المعنية بالمصالح العامة للشعب والوطن من الوصول إلى المجلس النيابي واللعب بمقدرات البلاد وأمنها دون حسيب أو رقيب.  وربما محاولة كهذه ستضع بشكل أو بآخر المجتمع (الأغلبية الصامتة) أمام مراجعة لمواقفها والخروج عن إنكفائها السلبي تجاه القضية برمتها.

وفي النهاية فإن على أهلنا في بعلبك الهرمل ، وهم المعني الأول بأن لا يستمر الوضع كما هو عليه وبالتالي يكون عليهم أولا أن يأخذوا زمام المبادرة بقوة وحكمة وتفانٍ، لكي لا يتحملوا بدورهم مسؤولية الكارثة المقبلة المتمثلة بوصول من جربناه سابقاً أن يعود مجدداً إلى الندوة البرلمانية .