لا يتورع بعض السياسيين المرشحين وغير المرشحين، عن ممارسة فعل الفتنة السياسية والطائفية والمذهبية في دوائرهم الانتخابية خصوصاً ، وفي لبنان عموماً، وذلك في معرض المنافسة الانتخابية القائمة بينهم وبين خصومهم، الى درجة يخيل معها ان المقعد النيابي الموعود يستحق كل هذا الصخب للفوز به
 

لقد بات المقعد النيابي بفعل ممارسات البعض عادياً وفقد فعاليته وبريقه، بل ويكاد يصبح في مستوى وظيفة من الفئة الأولى في الدولة، خصوصا في ضوء انعدام ثقة المواطن بالطبقة السياسية وبكثير من رجال الدولة بكل مستوياتهم، لأن كل المناصب الرسمية من اعلاها الى ادناها فقدت بريقها وهيبتها ورهبتها عند الناس الذين تبددت ثقتهم ايضاً بالنظام ككل فما بالك بالسياسيين الذين تعاملوا معه وكأنه بقرة حلوب وجعلوه نهباً لفسادهم على حساب مصالح عامة اللبنانيين.

ولمناسبة الانتخابات وشعاراتها وصخبها يتبين للقاصي والداني أن سلم القيم في ممارسة العمل السياسي في لبنان قد انهار او يكاد، لولا قلة من السياسيين ما زالوا يتعاطون الشأن العام بأخلاقيات خبرتها الناس بهم منذ عشرات السنين، وهؤلاء جمعوا بينابيتهم الناس ولم يقسموهم ومدوا لهم دوماً يد العون ولم يتصرفوا في اي موسم انتخابي لم يحالفهم الحظ فيه على ان ذلك «نهاية الكون» عندهم او هو «خراب البصرة»، وانما تقبلوا الامر ولكنهم ظلوا ملتصقين بالناس وملاحقين لشؤونهم من دون حاجة لنيابة بدأ البعض يحولها من وظيفتها التشريعية الدستورية الى وظيفة تعقيب معاملات في ادارات الدولة التي ينخرها الفساد والرشاوى والتي يستخدمها البعض الآن لترغيب الناخبين وترهيبهم. علما ان نجاح هذه القلة الملتزمة اخلاقيات العمل السياسي والنيابي لأن المنصب النيابي او الوزاري هو بالنسبة اليهم «تكليف وليس تشريف»، وان المناصب لو دامت لغيرهم لما اتصلت اليهم، ولانها لن تدوم لهم وستتصل لغيرهم.

ما يعكسه الصخب الانتخابي يُظهِر ان البعض ينظرون الى المقعد النيابي هو اهم من الجمهورية، وبعض الطامحين الجدد للإستحواز على الرئاسة الأولى يعتبرونه تأشيرة المرور الى قصر بعبدا، فالمسألة بالنسبة الى هؤلاء هي رئاسة الجمهورية لا الجمهورية المهم بالنسبة اليهم الفوز بالرئاسة حتى ولو زالت الجمهورية.

مثل هؤلاء لا قيمة لهذا المقعد اذا لم تكن هناك جمهورية في الاساس، ولا قيمة له اذا ويرى فريق من المواكبين للاستحقاق النيابي أن ما يقوم به البعض في بعض الدوائر والمناطق تحضيراً للإنتخابات هو عملية إفساد مبرمجة للحياة السياسية والعامة بمال سياسي وبثقافة فاسدة تعزز الفساد القائم، فمن يشتري اصوات الناس بالمال لفوز بمقعد نيابي يستحيل ان يكون صالحا لتولي سلطة او للتشريع لما فيه خير البلد والناخبين، فهو جمع المال وكدّسه ويسعى الى السلطة وقد وجد ضالته بالنيابة التي تمنحه الحصانة وتحميه وليبني عليها الشيء مقتضاه لاحقا مما لذّ له وطاب من صفقات وخلافه...

وثمة من يقول ان في الدستور والقوانين اللبنانية المتصلة بالاستحقاقات النيابية والحكومية، وحتى الادارية، ما ينبغي تعديله لجهة تحديد المواصفات العملية والنظيفة التي يفترض توافرها بمن يترشح لنيابة لتولي وزارة او رئاسة وغيرها من المناصب العليا والوسطى والدنيا. ففي كل دول العالم، وحتى في الدول النامية، تخضع الترشيحات الرئاسية والوزارية والنيابية وحتى الادارية لبحث وتمحيص في سيرة كل مرشح قبل الموافقة على ترشيحه أو رفضه، بحيث لا يترشح إلاّ من يتمتع بالمواصفات المطلوبة لتولي المهة الرئاسية او الوزارية او النيابية.

ولكن في لبنان يترشح من يشاء ولا يسأله أحد عن مؤهلاته العلمية وسيرته ومصدر ثروته، ولذلك لا يخلو اي استحقاق من تسرُّب بعض الذين لا تليق بهم نيابة او وزارة على الاطلاق. وعندما يبرز اي اعتراض يأتي من يقول «ان الدستور يعتبر المواطنين جميعا سواسية امام القانون وان لأي منهم الحق في تولي أي منصب اذا كان يمكل الاهلية اللازمة له».

ويقول متابعون للاستحقاق النيابي ان الجميع يدركون ان نتائج الانتخابات لن تغير في موازين القوى السائدة، سواء فاز هذا الفريق أو ذاك بالاكثرية النيابية، وان المؤشرات تدل الى ان اي اكثرية نيابية مستقبلية ستكون اكثرية مركبة بحيث يتم تكوينها من خلال تحالفات تنسج في ضوء نتائج الانتخابات، بمعنى ان اي فريق يرغب بالاستحواز على هذه الاكثرية سيكون عليه التحالف مع افرقاء آخرين، فمثلالً تيار «المستقبل» يتوقع له البعض ان يفوز بما يربو على العشرين نائبا بقليل وسيكون عليه التحالف مع «التيار الوطني الحر» والنائب وليد جنبلاط وربما «القوات اللبنانية» وغيرها حتى يتمكن معهم من تكوين الاكثرية النيابية التي يريدون. والامر نفسه ينطبق على حزب الله وحركة «أمل» وحلفائهما حيث يتوقع ان يفوزوا بـ46 نائبا او اكثر وحتى يكونوا اكثرية عليهم ان يتحالفوا مع «التيار الوطني الحر» الذي يتوقع له البعض ان يفوز بـ21 مقعداً نيابياً.

ولكن مع ذلك، فان اي اكثرية لن تستطيع بمفردها ان تحكم البلاد بحكومة جديدة، بدليل التجارب المتعاقبة، اقله منذ العام 2005 وحتى الآن، حيث ان الغالبية الساحقة من الحكومات شاركت فيها كل المكونات السياسية والطائفية والمذهبية على رغم الاصطفافات والمشاريع السياسية المتناقضة وخصوصا في ما سمي 8 و14 آذار، حيث أن اي من هذين الفريقين لم يتمكن من التفرد بالسلطة، وكان مضطرا الى اشراك الفريق الآخر معه في الحكومة.

والآن، وايا كانت نتائج الانتخابات النيابية المقبلة، فان البلد لن تكون له الا حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع سواء كانت هناك اكثرية نيابية يمتلكها هذا الفريق او ذاك أم لا، لان السلطة التنفيذية التي حصرها «اتفاق الطائف»، وتالياً الدستور الذي انبثق منها، بمجلس الوزراء مجتمعا بعدما كانت سابقا بيد رئيس الجمهورية يتولاها بمعاونة وزراء يختار من بينهما رئيسا للوزراء، تفرض مشاركة كل المكونات السياسية والطائفية في الحكومة ليشعر الجميع انهم مشاركون في القرار الوطني.

بيد ان ما يحصل الآن في غمار الانتخابات، هو ان بعض القوى السياسية تحاول اقصاء قوى اخرى او قيادات لها تأثيرها ودورها في الحياة السياسية من اجل الاتيان بأشباه رجال ومطواعين ليسهل لها الاستحواذ على السلطة من دون مواجهة اي معارضة جدية تمتهن تصويب المسار وتمنع إنحراف البلاد الى ما يضر بالمصالح الوطنية لحساب المصالح الخاصة لهذا الفريق او ذاك.

وخلافاً لكثير من التوقعات فان الحديث عن حصول مفاجآت في الانتخابات ما يزال متواصلا، ويرافقه استمرار بعض المخاوف على مصير الاستحقاق النيابي في هذه العجالة، فهناك ارقام منفوخة يروجها البعض عن عدد المقاعد النيابية التي سيفوز بها هذا الفريق او ذاك، ولكنها ارقام تدحضها طبيعة قانون الانتخاب الذي يعتمد النظام النسبي على رغم ان اعتماد «الصوت التفضيلي» و«الحواصل الانتخابية» والاحجام الوسطى للدوائر الانتخابية قد حرفته عن جادة النسبية الفعلية، فهذا القانون على علاته هذه سيوصل فئات وقوى سياسية الى الندوة النيابية للمرة الأولى بعدما كان هذا الامر متعذرا عليها لعشرات السنين بسبب النظام الانتخابي الاكثري الذي يأكل فيه القوي الضعيف او يقصيه عن الحياة السياسية، الى درجة ان هذا «الاكثري» كان يمنع نشوء ممعارضة وطنية حقيقية تمتهن الرقابة على السلطة الحاكمة بقوة الاكثرية النيابية.

وهناك اعتقاد شبه راسخ بأن غالبية الكتل النيابية الكبرى في المجلس النيابي الحالي وحتى الكتل الصغيرة ستضمر كثيرا في ضوء النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات في 6 ايار، من كتلة المستقبل الى تكتل التغيير والاصلاح وصولا الى بقية الكتل.